للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأيد ابن حبان قوله هذا بحديث أزيز المرجل [وهو حديث صحيح، تقدم برقم (٩٠٤) ثم قال: "في هذا الخبر بيان واضح أن التحزن الذي أذن الله جل وعلا فيه بالقرآن واستمع إليه هو التحزن بالصوت مع بدايته ونهايته؛ لأن بداءته هو العزم الصحيح على الانقلاع عن المزجورات، ونهايته وفور التشمير في أنواع العبادات، فإذا اشتمل التحزن على البداية التي وصفتها، والنهاية التي ذكرتها، صار المتحزن بالقرآن كأنه قذف بنفسه في مقلاع القربة إلى مولاه، ولم يتعلق بشيء دونه".

كما أخذ ذلك أيضًا عن الشافعي.

* فقد روى الربيع بن سليمان، قال: سمعت الشافعي رحمه الله، يقول في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن"، قال الشافعي: "نقرؤه حدرًا وتحزينًا". وفي المعرفة: فقال له رجل: يستغني به، فقال: "لا، ليس هذا معناه، ومعناه يقرأ حدرًا وتحزينًا".

أخرجه ابن أبي حاتم في آداب الشافعي (١١٨)، وأبو نعيم في الحلية (٩/ ١٠٤ و ١٤١)، والقضاعي في مسند الشهاب (١٢٠١)، والبيهقي في المعرفة (١٤/ ٣٣٣/ ٢٠١٨٧ - ط قلعجي)، وفي السنن (١٠/ ٢٣٠)، وفي مناقب الشافعي (١/ ٣٢١)، وهو في الأم (٦/ ٢٢٧)، وفي مختصر المزني (٨/ ٤٢٠)، وغيرها.

* وقال الشافعي في موضع آخر: "لو أراد النبي -صلى الله عليه وسلم- الاستغناء به لقال: ليس منا من لم يستغن بالقرآن، فلما قال: ليس منا من لم يتغن بالقرآن؛ علمنا أنه التَّغَنِّي به" [مناقب الشافعي (١/ ٣٢٢)].

قال البيهقي: "الرواية الأولى عن أبي سلمة، تؤكد ما قال الشافعي، وكذلك ما روي عن البراء بن عازب مرفوعًا: "زينوا القرآن بأصواتكم"".

قلت: واحتج البيهقي أيضًا للشافعي برواية عبد الجبار بن الورد من حديث أبي لبابة، وهي شاذة لا تثبت، ولو ثبتت لكانت حجة؛ وفيها: فقلت لابن أبي مليكة: أرأيت إذا لم يكن حسن الصوت؟ قال: ليحسنه ما استطاع.

وقال في الشعب (٥/ ٦٨/ ٢٣٧٥): "وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن المراد به تحسين الصوت بالقرآن، وذلك بأن يقرأه حدرًا وتحزنًا، واستدلوا على ذلك برواية عبد الجبار بن الورد، عن ابن أبي مليكة، ... " فذكره ثم قال: "قالوا: وقوله: "ليس منا" يريد ليس على سنتنا، فإن السُّنَّة في قراءة القرآن الحدر والتحزن، فإذا ترك ذلك كان تاركًا لسنةٍ، والله أعلم، وذكر جماعة من الأئمة أن المراد بهذا الخبر الاستغناء بالقرآن والتكثر والاكتفاء به، قال الله عز وجل: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ} [العنكبوت: ٥١] ".

وفي تفسير: "ليس منا"؛ قال ابن حبان (١/ ٣٢٦/ ١٢٠): "معنى قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ليس منا في هذه الأخبار يريد به: ليس مثلنا في استعمال هذا الفعل؛ لأنا لا نفعله، فمن فعل ذلك فليس مثلنا".

وممن قال بالتحزن أيضًا: أبو بكر الآجري، حيث قال في أخلاق أهل القرآن

<<  <  ج: ص:  >  >>