للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والتسكين، أو الإظهار والإدغام، أو المد والقصر، أو الفتح والإمالة، أو الإسكان والروم والأشمام وهاء السكت، أو الهمز والتسهيل والإبدال والنقل، ونحو ذلك من وجوه اختلاف القراءات، وكذلك هي لغات العرب، وعلى هذا فإن القول بان الأحرف السبعة هي ألفاظ مختلفة بمعان متقاربة، هو من باب تفسير الكل بالبعض، فإن هذه الأصناف التي اشتملت عليها وجوه القراءات المشهورة هي جزء من الأحرف السبعة، وهي تمثل أيضًا ضروب اختلاف لغات العرب ولهجاتهم، فليس الاختلاف في لغات العرب مقصورًا فقط على المترادفات اللفظية، بل هو يشمل جميع الوجوه المذكورة، فدل ذلك على صحة القولين جميعًا، والله أعلم.

كذلك فإن ما ثبت عن ابن مسعود وأبي الدرداء في سورة الليل يؤكد هذا المعنى، فقد روى علقمة، قال: لقيت أبا الدرداء، فقال لي: ممن أنت؟ قلت: من أهل العراق، قال: من أيهم؟ قلت: من أهل الكوفة، قال: هل تقرأ على قراءة عبد الله بن مسعود؟ قال: قلت: نعم، قال: فاقرأ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (١) قال: فقرأت "والليل إدْا يغشى والنهار إذا تجلى "والذكر والأنثى قال: فضحك، ثم قال: هكذا سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرؤها [وهو حديث متفق على صحته. أخرجه البخاري (٣٧٤٢ و ٣٧٤٣ و ٣٧٦١ و ٤٩٤٣ و ٤٩٤٤ و ٦٢٧٨)، ومسلم (٨٢٤)، [المسند المصنف (٢٧/ ١٧٦/ ١٢٢١٢)]؛ وهذا من الاختلاف في الحذف والإثبات.

وقد صح عن ابن مسعود في حروف القرآن ما يخالف الرسم في مواضع من القرآن [انظر مثلًا: المسند المصنف (١٩/ ٣٥ - ٤٠/ ٨٧٣٢ - ٨٧٣٥)]؛ وكذلك ما نقل عنه وعن غيره من الصحابة مما يخالف رسم المصحف، وكذلك إنكار ابن مسعود لكون المعوذتين من القرآن [فقد روى زر بن حبيش، قال: سألت أبي بن كعب عن المعوذتين، فقلت: يا أبا المنذر إن أخاك ابن مسعود يحكُّهما من المصحف، قال: إني سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: "قيل لي: قل، فقلت "، فنحن نقول كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-] [تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (١٤٦٣)، وهو حديث صحيح]؛ وكذلك إنكاره على من يريد إلزامه بحرف زيد بن ثابت [فقد روى الأعمش، عن أبي وائل، قال: خطبنا ابن مسعود فقال: كيف تأمروني أقرأ على قراءة زيد بن ثابت بعدما قرأت من في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بضعًا وسبعين سورة، وإن زيدًا مع الغلمان له ذؤابتان. تقدم ذكره في طرق حديث ابن مسعود، وأصله متفق عليه]؛ إضافة إلى قول مالك والذي يقتضي اختلاف رسم مصحف ابن مسعود عن مصحف عثمان في الرسم والحرف [كقوله: أنه لا يُقرأ بحرف ابن مسعود لأنه خلاف ما في مصحف عثمان، وقوله في المصحف بقراءة ابن مسعود: أرى أن يمنع الناس من بيعه ويضرب من قرأ به ويمنع من ذلك. راجع الاستذكار (٢/ ٤٨٦)، التمهيد (٨/ ٢٩٣)].

والجواب عن هذا كله، أن ابن مسعود قرأ لنفسه وخاصته بحرفه المخالف لحرف زيد بن ثابت، والمخالف لرسم مصحف عثمان، كما نقل ذلك عنه علقمة عندما لقي أبا

<<  <  ج: ص:  >  >>