للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الدرداء بالشام، وكما هو مبثوث في كتب التفسير والقراءات من حرف ابن مسعود المغاير لحرف زيد ومصحف عثمان، لكنه لما أقرأ الناس القرآن أقرأهم بما يوافق خط زيد الذي كنبه في مصحف عثمان، ولم يخالف إجماع الصحابة، وذلك كما في قراءة شعبة -أبي بكر بن عياش- عن عاصم عن زر عن ابن مسعود، وكما في قراءة حمزة والكسائي وخلف، وبهذا يظهر أن هناك حروفًا تركت لأجل مصحف عثمان، لأجل جمع كلمة المسلمين على حرف واحد، ولئلا يقع بينهم الاختلاف والتنازع، ولكون المعنى الذي لأجله شرعت الأحرف السبعة قد ارتفع بسبب تعلم الناس الكتابة، وسهل عليهم تعلم لغة قريش والالتزام بها، بخلاف ما كان يشق عليهم وقت توسعة الله عليهم بأن يقرؤوا ما تيسر لهم من الأحرف السبعة المنزلة، وعلى هذا ينزل قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أسأل الله معافاته ومغفرته، وإن أمتي لا تطيق ذلك "؛ يعني: وقت تنزل القرآن، ودخول قبائل العرب في الإسلام، والله أعلم.

وقال ابن جرير الطبري في تفسيره (١/ ٤١) بأن الأحرف السبعة اختلاف ألفاظ مع اتفاق المعاني، وقد أطال جدًا في التدليل على ذلك، وأن اختلاف الصحابة وترادهم لو كان يرجع إلى التحليل والتحريم، والوعد والوعيد، في الموضع الواحد لدل على التناقض المنزه عنه القرآن، والذي نفاه الله تعالى بقوله: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢)} [النساء: ٨٢].

إلى أن قال بعد حديث أبي بكرة (١/ ٤٥): "فقد أوضح نص هذا الخبر أن اختلاف الأحرف السبعة، إنما هو اختلاف ألفاظ، كقولك: هلم وتعال، باتفاق المعاني، لا باختلاف معانٍ موجبةٍ اختلافَ أحكام، وبمثل الذي قلنا في ذلك، صحت الأخبار عن جماعة من السلف والخلف ".

ولكون ابن جرير كان قد استوعب الآثار الواردة في هذا الباب، وأطال في الرد على مخالفيه، قال في تهذيب الآثار (٢/ ٧٧٨ - مسند عمر): "وهذا خبر قد بينا معناه، وذكرنا طرقه عن عمر وموافقيه، في روايته عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وبينا اختلاف المختلفين في معناه، والعلل المفسدة قولَ من خالف قولنا فيه، باستقصاء ذلك في كتابنا المسمى (جامع البيان عن تأويل آي القرآن "، فكرهنا تطويل الكتاب بإعادته في هذا الموضع، فمن أراد معرفة معانيه وما فيه فليلتمسه هناك يجده إن شاء الله مشروحًا".

وقال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (١/ ٤٢): "وقد اختلف العلماء في المراد بالأحرف السبعة على خمسة وثلاثين قولًا ذكرها أبو حاتم محمد بن حبان البستي، نذكر منها في هذا الكتاب خمسة أقوال: الأول: وهو الذي عليه أكثر أهل العلم؛ كسفيان بن عيينة، وعبد الله بن وهب، والطبري، والطحاوي، وغيرهم: أن المراد سبعة أوجه من المعاني المتقاربة بألفاظ مختلفة، نحو: أقبل وتعال وهلم ".

وقال الآجري في الشريعة (١/ ٤٧١): "نزل هذا القرآن على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على سبعة

<<  <  ج: ص:  >  >>