للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أحرف، ومعناها: على سبع لغات، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلقن كل قبيلة من العرب القرآن على حسب ما يحتمل من لغتهم، تخفيفًا من الله تعالى بامة محمد -صلى الله عليه وسلم- ".

وقال مكي بن أبي طالب في الإبانة عن معاني القراءات (٥٩): "فإن سأل سائل، فقال: ما الذي تفيد قراءة القرآن على أكثر من حرف لمن قرأ على أكثر من حرف؟

فالجواب: أن الله -عزَّ وجلَّ- لم يجعل على عباده حرجًا في دينهم، ولا ضيق عليهم فيما افترض عليهم، وكانت لغات من أنزل عليهم القرآن مختلفة، ولسان كل صاحب لغة لا يقدر على رده إلى لغة أخرى إلا بعد تكلف ومؤونة شديدة، فيسر الله عليهم أن أنزل كتابه على سبع لغات متفرقات في القرآن بمعان متفقة ومختلفة، ليقرأ كل قوم على لغتهم، وعلى ما يسهل عليهم من لغة غيرهم، وعلى ما جرت به عادتهم، فقوم جرت عادتهم بالهمز، وقوم بالتخفيف، وقوم بالفتح، وقوم بالإمالة، وكدلك الإعراب واختلافه في لغاتهم، والحركات واختلافها في لغاتهم، وغير ذلك، فتفصَّح كل قوم وقرؤوا على طبعهم ولغتهم ولغة من قرُب منهم، وكان في ذلك رفق عظيم بهم، وتيسير كثير لهم ".

وممن قال أيضًا بأنها سبعة أوجه من المعاني المتقاربة بألفاظ مختلفة: ابن عبد البر، حيث قال في التمهيد (٨/ ٢٨٠ - ٢٨١): "وأنكر أكثر أهل العلم أن يكون معنى حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أنزل القرآن على سبعة أحرف" سبع لغات، وقالوا: هذا لا معنى له؛ لأنه لو كان ذلك لم ينكر القوم في أول الأمر بعضهم على بعض؛ لأنه من كانت لغته شيئًا قد جبل وطبع عليه وفطر به؛ لم ينكر عليه، وفي حديث مالك عن ابن شهاب المذكور في هذا الباب: رد قول من قال سبع لغات؛ لأن عمر بن الخطاب قرشي عدوي، وهشام بن حكيم بن حزام قرشي أسدي، ومحال أن ينكر عليه عمر لغته كما محال أن يقرئ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- واحدًا منهما بغير ما يعرفه من لغته، والأحاديث الصحاح المرفوعة كلها تدل على نحو ما يدل عليه حديث عمر هذا، وقالوا: إنما معنى السبعة الأحرف سبعة أوجه من المعاني المتفقة المتقاربة بألفاظ مختلفة، نحو: أقبل وتعال وهلم، وعلى هذا الكثير من أهل العلم ".

قلت: وهذا قول صحيح، في معنى الأحرف السبعة: أنها ألفاظ مختلفة بمعان متقاربة، وهذا من باب إطلاق البعض على الكل، ولا يتعارض هذا التفسير مع كلام أبي عبيد، والذي يمكن توجيهه بأن بعض المفردات من لغات العرب قد وقع لها الانتشار والشيوع بين بعض القبائل، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أقرأ عمر على وجه من وجوه العربية، وأقرأ هشامًا على وجه آخر من العربية باتفاق المعنى واختلاف اللفظ، مما كان معهودًا الكلام به عند قريش، كما سيأتي بيانه، والله أعلم.

وهذا الذي ذهبت إليه قال به ابن عطية في المحرر الوجيز (١/ ١٧٠) في رده على القاضي أبي بكر الباقلاني، حيث قال في بيان أن اختلاف لغات العرب ليس بالاختلاف الشديد، بل فيه من التداخل لبعض الاستعمالات أحيانًا، قال ابن عطية: "وهو اختلاف

<<  <  ج: ص:  >  >>