ليس بشديد التباين حتى يجهل بعضهم ما عند بعض في الأكثر، وإنما هو أن قريشًا استعملت في عباراتها شيئًا، واستعملت هذيل شيئًا غيره في ذلك المعنى، وسعد بن بكر غيره، والجميع كلامهم في الجملة ولغتهم.
واستدلال القاضي -رضي الله عنه- بأن لغة عمر وأبيّ وهشام وابن مسعود واحدة فيه نظر؛ لأن ما استعملته قريش في عبارتها ومنهم عمر وهشام، وما استعملته الأنصار ومنهم أبيّ، وما استعملته هذيل ومنهم ابن مسعود، قد يختلف، ومن ذلك النحو من الاختلاف هو الاختلاف في كتاب الله سبحانه، فليست لغتهم واحدة في كل شيء، وأيضًا فلو كانت لغتهم واحدة بأن نفرضهم جميعًا من قبيلة واحدة، لما كان اختلافهم حجة على من قال: إن القرآن أنزل على سبع لغات؛ لأن مناكرتهم لم تكن لأن المنكِر سمع ما ليس في لغته فأنكره، وإنما كانت لأنه سمع خلاف ما أقرأه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعساه قد أقرأه ما ليس من لغته واستعمال قبيلته ".
ومما قاله أيضًا ابن عبد البر (٨/ ٢٨٠): "قول من قال: إن القرآن نزل بلغة قريش معناه عندي: في الأغلب -والله أعلم-؛ لأن غير لغة قريش موجودة في صحيح القراءات من تحقيق الهمزات ونحوها، وقريش لا تهمز".
قلت: فدل ذلك على أن الهمز والتسهيل والإبدال والنقل إنما هو من لغات العرب ولهجاتهم، كما يدخل في ذلك أيضًا: الفتح والإمالة، واختلاف وجوه الإعراب والحركات، وغير ذلك، وعليه فهي من جملة الأحرف السبعة أيضًا، كما سبق أن نص على ذلك مكي بن أبي طالب، وليس معناها مقتصراً فقط على: ألفاظ مختلفة بمعان متقاربة، ويقال مثله أيضًا في: اختلاف وجوه التصريف، أو الجمع والإفراد، أو التذكير والتأنيث، أو تبديل أدوات العطف، أو التشديد والتخفيف، أو التقديم والتأخير، أو النهي والنفي، أو الأمر والإخبار، أو الحذف والإثبات، أو التحريك والتسكين، أو الإظهار والإدغام، أو المد والقصر، أو الإسكان والروم والإشمام وهاء السكت، وغير ذلك.
ثم قال ابن عبد البر بعد حديث سليمان بن صرد عن أبي [تقدم برقم (١٤٧٧)]؛ قال في التمهيد (٨/ ٢٨٣)(٥/ ٥٩٣ - ط بشار): "أما قوله في هذا الحديث: "قلت: سميعًا عليمًا وغفورًا رحيمًا وعليمًا حكيمًا" ونحو ذلك فإنما أراد به ضرب المثل للحروف التي نزل القرآن عليها؛ أنها معان متفقٌ مفهومُها، مختلفٌ مسموغها، لا يكون في شيء منها معثى وضده، ولا وجة يخالف معنى وجه خلافاً ينفيه ويضاده، كالرحمة التي هي خلاف العذاب وضده، وما أشبه ذلك، وهذا كله يعضد قول من قال: إن معنى السبعة الأحرف المذكورة في الحديث: سبعة أوجه من الكلام المتفق معناه المختلف لفظه، نحو: هلم وثعال، وعجل وأسرع، وانظِر وأخِّر، ونحو ذلك ".
ثم قال بعد حديث ابن عجلان، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة (٨/ ٢٨٨): "وهذه الآثار كلها تدل على أنه لم يعن به سبع لغات والله أعلم على ما تقدم ذكرنا له،