للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

في هذا الباب، وكانوا على ذلك حتى كثر من يكتب منهم، وحتى عادت لغاتهم إلى لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -[يعني: لسان قريش]، فقرؤوا بذلك على تحفظ القرآن بألفاظه التي نزل بها [يعني: ابتداءً]، فلم يسعهم حينئذ أن يقرؤوه بخلافها، وبان بما ذكرنا أن تلك السبعة الأحرف إنما كانت في وقت خاص لضرورة دعت إلى ذلك، ثم ارتفعت تلك الضرورة، فارتفع حكم هذه السبعة الأحرف، وعاد ما يقرأ به القرآن إلى حرف واحد".

وقال أبو جعفر النحاس في الناسخ والمنسوخ (٤٨٢): "أراد عثمان رحمه الله أن يختار من السبعة حرفًا واحدًا هو أفصحها، ويزيل الستة، وهذا من أصح ما قيل فيه؛ لأنه مروي عن زيد بن ثابت أنه قال هذا".

وقال الخطابي في أعلام الحديث (٢/ ١٢٠٨): "وإنما وقعت هذه السهولة في القراءات إذ ذاك، لعجز كثير منهم عن أخذ القرآن على وجه واحد، وكانوا قومًا أميين، ولو كلفوا غير ذلك، وأخذوا بأن يقرؤوه على قراءة واحدة لشق عليهم، ولأدى ذلك إلى النفرة والنبوة عنه، فلما زالت الأمية التي كانت فيهم، وصاروا يقرؤون ويكتبون، وقدروا على حفظ القرآن؛ لم يسعهم أن يقرؤوه على خلاف ما أجمعت عليه الصحابة، وكتبوه في المصحف، وذلك لارتفاع الضرورة الداعية إليه، فلم يستجيزوا القرآن إلا على معنى خط المصحف المكتوب بإجماع الصحابة، واتفاق الإملاء منهم".

وقال مكي بن أبي طالب في الإبانة عن معاني القراءات (٢٢): "فإن سأل سائل، فقال: هل القراءات التي يقرأ بها الناس اليوم، وتنسب إلى الأئمة السبعة، كنافع، وعاصم، وأبي عمرو، وشبههم، هي السبعة، التي أباح النبي - صلى الله عليه وسلم - القراءة بها، وقال: "أنزل القرآن على سبعة أحرف، فاقرؤوا بما شئتم"؟ أو هي بعضها؟ أو هي واحدة؟.

فالجواب عن ذلك:

إن هذه القراءات كلها التي يقرأ بها الناس اليوم، وصحت روايتها عن الأئمة، إنما هي جزء من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، ووافق اللفظ بها خط المصحف، مصحف عثمان الذي أجمع الصحابة فمن بعدهم عليه، واطرح ما سواه مما يخالف خطه، فقرئ بذلك لموافقة الخط، لا يخرج شيء منها عن خط المصاحف التي نسخها عثمان - رضي الله عنه -، وبعث بها إلى الأمصار، وجمع المسلمين عليها، ومنع من القراءة بما خالف خطها، ... ، وصارت القراءة عند جميع العلماء بما يخالفه بدعة وخطأ، وإن صحت ورويت.

وكان المصحف قد كتب على لغة قريش، على حرف واحد، ليزول الاختلاف بين المسلمين في القرآن، ولم ينقط ولا ضُبط، فاحتمل التأويل لذلك.

وإذا كان المصحف بلا اختلاف كتب على حرف واحد من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، على لغة واحدة، والقراءة التي يقرأ بها لا يخرج شيء منها عن خط المصحف، فليست هي إذًا هي السبعة الأحرف، التي نزل بها القرآن كلها".

إلى أن قال: "فالمصحف كتب على حرف واحد، وخطه محتمل لأكثر من حرف؛ إذ

<<  <  ج: ص:  >  >>