للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لم يكن منقوطًا، ولا مضبوطًا، فذلك الاحتمال الذي احتمل الخط هو من الستة الأحرف الباقية، إذ لا يخلو أن يكون ما اختلف فيه من لفظ الحروف، التي تخالف الخط: إما هي مما أراد عثمان، أو مما لم يرده إذ كتب المصحف، فلا بد أن يكون إنما أراد لفظًا واحدًا أو حرفًا واحدًا، لكنا لا نعلم ذلك بعينه، فجاز لنا أن نقرأ بما صحت روايته، مما يحتمله ذلك الخط لنتحرى مراد عثمان - رضي الله عنه -، ومن تبعه من الصحابة وغيرهم".

وقد أطال الكلام في بطلان كون قراءة القراء السبعة المشهورين هي الأحرف السبعة، كيف يكون ذلك وأول من سبع السبعة ابن مجاهد في سنة (٣٠٠) أو نحوها، وقال بأن الكسائي إنما أُلحق بالسبعة متأخرًا، وكان مكانه يعقوب الحضرمي عند من تقدَّم، كما أن الكسائي إنما قرأ على حمزة، وقرأ أبو عمرو على ابن كثير، وبين أن المصنفين قد اختلفوا في اختيار القراء، وذكر أمثلة لذلك، فمنها مثلًا: أن أبا حاتم وغيره قد ترك ذكر حمزة والكسائي وابن عامر، وزاد نحو عشرين رجلًا من الأئمة ممن هو فوق هؤلاء السبعة، وكذلك زاد الطبري في كتاب القراءات له على هؤلاء السبعة نحو خمسة عشر رجلًا، وكذلك فعل أبو عبيد وإسماعيل القاضي، إلى أن قال: "فحصل من جميع ما ذكرنا وبينا: أن الذي في أيدينا من القرآن: هو ما في مصحف عثمان الذي أجمع المسلمون عليه، وأخذناه بإجماع يقطع على صحة مغيبه وصدقه، والذي في أيدينا من القراءات: هو ما وافق خط ذلك المصحف من القراءات التي نزل بها القرآن، فهو من الإجماع أيضًا.

وسقط العمل بالقراءات التي تخالف خط المصحف، فكأنها منسوخة بالإجماع على خط المصحف".

ثم تتطرق إلى بيان السبب في وقوع الاختلاف بين القراء السبعة وغيرهم، فقال (٣٧): " ... ، ولما مات النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج جماعة من الصحابة في أيام أبي بكر وعمر إلى ما افتتح من الأمصار، ليعلموا الناس القرآن والدين، فعلم كل واحد منهم أهل مصره على ما كان يقرأ على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، فاختلفت قراءة أهل الأمصار على نحو ما اختلفت قراءة الصحابة الذين علموهم.

فلما كتب عثمان المصاحف ووجهها إلى الأمصار، وحملهم على ما فيها، وأمرهم بترك ما خالفها، قرأ أهل كل مصر مصحفهم الذي وجه إليهم على ما كانوا يقرؤون قبل وصول المصحف إليهم مما يوافق خط المصحف، وتركوا من قراءتهم التي كانوا عليها مما يخالف خط المصحف، فاختلفت قراءة أهل الأمصار لذلك بما لا يخالف الخط، وسقط من قراءتهم كلهم ما يخالف الخط.

ونقل ذلك الآخرُ عن الأول في كل مصر، فاختلف النقل لذلك، حتى وصل النقل إلى هؤلاء الأئمة السبعة على ذلك، فاختلفوا فيما نقلوا على حسب اختلاف أهل الأمصار، لم يخرج واحد منهم عن خط المصحف فيما نقل، كما لم يخرج واحد من أهل الأمصار عن خط المصحف، الذي وجه إليهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>