للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فلهذه العلة اختلفت رواية القراء فيما نقلوا، واختلفت أيضا قراءة من نقلوا عنه لذلك".

ثم قال: "واحتاج كل واحد من هؤلاء القراء أن يأخذ مما قرأ ويترك، فقد قال نافع: قرأت على سبعين من التابعين، فما اجتمع عليه اثنان أخذته، وما شذ فيه واحد تركته، حتى ألفت هذه القراءة. وقد قرأ الكسائي على حمزة، وهو يخالفه في نحو ثلاثمائة حرف؛ لأنه قرأ على غيره، فاختار من قراءة حمزة ومن قراءة غيره قراءة، وترك منها كثيرًا. وكذلك أبو عمرو قرأ على ابن كثير، وهو يخالفه في أكثر من ثلاثة آلاف حرف؛ لأنه قرأ على غيره، فاختار من قراءته ومن قراءة غيره قراءة. فهذا سبب الاختلاف الذي سألت عنه".

وقال ابن عبد البر في التمهيد (٨/ ٢٩٣): "وهذا كله يدلك على أن السبعة الأحرف التي أشير إليها في الحديث: ليس بأيدي الناس منها إلا حرف زيد بن ثابت الذي جمع عليه عثمان المصحف".

وقال أيضًا (٨/ ٢٩٦): "وهذا يدلك على قول العلماء: أن ليس بأيدي الناس من الحروف السبعة التي نزل القرآن عليها إلا حرف واحد، وهو صورة مصحف عثمان، وما دخل فيه ما يوافق صورته من الحركات واختلاف النقط من سائر الحروف".

وقال أيضًا (٨/ ٢٩٩): "وأما حرف زيد بن ثابت فهو الذي عليه الناس في مصاحفهم اليوم وقراءتهم من بين سائر الحروف؛ لأن عثمان جمع المصاحف عليه بمحضر جمهور الصحابة".

وذكر البغوي في شرح السُّنَّة (٤/ ٥١١) كلامًا طويلًا، كان منه: "فأمر عثمان بنسخه في المصاحف، وجمع القوم عليه، وأمر بتحريق ما سواه، قطعًا لمواد الخلاف، فكان ما يخالف الخط المتفق عليه في حكم المنسوخ والمرفوع؛ كسائر ما نسخ ورفع منه؛ باتفاق الصحابة.

والمكتوب بين اللوحين هو المحفوظ من اللّه عز وجل للعباد، وهو الإمام للأمة، فليس لأحد أن يعدو في اللفظ إلى ما هو خارج من رسم الكتابة والسواد.

فأما القراءة باللغات المختلفة، فما يوافق الخط والكتاب، فالفسحة فيها باقية، والتوسعة قائمة بعد ثبوتها وصحتها بنقل العدول عن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، على ما قرأ به القراء المعروفون بالنقل الصحيح عن الصحابة - رضي الله عنهم - ".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الصارم المسلول (١٢٦): "فإن القول المرضي عند علماء السلف الذي يدل عليه عامة الأحاديث وقراءات الصحابة: أن المصحف الذي جمع عثمان الناس عليه هو أحد الحروف السبعة، وهو العرضة الأخيرة، وأن الحروف الستة خارجة عن هذا المصحف، وأن الحروف السبعة كانت تختلف الكلمة؛ مع أن المعنى غير مختلف ولا متضاد" [وانظر: جامع المسائل (٢٩٢ - المجموعة السابعة). مجموع الفتاوى (١٢/ ٥٦٩) و (١٣/ ٣٨٩)].

<<  <  ج: ص:  >  >>