للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كان في هذه الحال من رثة فهو إرادته وهذا كقول العرب في غيره:

يُريدُ الرُّمحُ صَدْرَ أبي بَرَاءٍ ... وَيَرْغَبُ عَنْ دِماءِ بَنِي عُقَيْلِ (١)

وقال آخر منهم: إنما كلم القوم بما يعقلون، قال: وذلك لما دنا من الانقضاض، جاز أن يقول: يريد أن ينقض، قال: ومثله (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ) وقولهم: إني لأكاد أطير من الفرح، وأنت لم تقرب من ذلك، ولم تهمْ به، ولكن لعظيم الأمر عندك، وقال بعض الكوفيين منهم: من كلام العرب أن يقولوا: الجدار يريد أن يسقط، قال: ومثله من قول العرب قول الشاعر:

إنَّ دهْرًا يَلُفُّ شَمْلِي بِجُمْلٍ ... لَزَمانٌ يَهُمُّ بالإحْسانِ (٢)

وقول الآخر:

يَشْكُو إليَّ جَمَلِي طُولَ السُّرَى ... صَبْرًا جَمِيلا فَكِلانا مُبْتَلى (٣)

قال: والجمل لم يشك، إنما تكلم به على أنه لو تكلم لقال ذلك، قال: وكذلك قول عنترة:

وازْوَرَّ مِنْ وَقْعِ القَنا بِلَبانِهِ ... وشَكا إليَّ بعَبْرَةٍ وَتحَمْحُمِ (٤)


(١) البيت من شواهد أبي عبيدة في (مجاز القرآن ١: ٤١٠) قال في تفسير قوله تعالى: (يريد أن ينقض) ليس للحائط إرادة ولا للموت ولكنه إذا كان في هذه الحال من رثة، فهو إرادته. وهذا قول العرب في غيره، قال الحارثي: " يريد الرمح. . . البيت ". وفي " اللسان: رود ": وقوله عز وجل: (فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه) أي أقامه الخضر، وقال: يريد، والإرادة إنما تكون من الحيوان، والجدار لا يريد إرادة حقيقية؛ لأن تهيؤه للسقوط قد ظهر كما تظهر أفعال المريدين، فوصف الجدار بالإرادة، إذا كانت الصورتان واحدة، ومثل هذا كثير في اللغة والشعر، قال الراعي: في مهمه قلقت به هاماتها ... قلق الفئوس إذا أردنا نصولا
وقال الآخر: " يريد الرمح صدر أبي براء ". . . . البيت.
(٢) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن (الورقة ١٩٠ من مصورة الجامعة) قال: " يريد أن ينقض ": يقال: كيف يريد الجدار أن ينقض؟ وذلك من كلام العرب أن يقولوا: الجدار يريد أن يسقط. ومثله قول الله: (ولما سكت عن موسى الغضب) والغضب لا يسكت، إنما يسقط صاحبه، ومعناه: سكن. وقوله: فإذا عزم الأمر: إنما يعزم الأمر أهله. وقال الشاعر: " إن دهرا. . . " البيت. وقال الآخر: " شكى إلي جملي. . . البيت ". (وسيجيء بعد هذا) . والجمل لم يشك، إنما تكلم به على أنه لو نطق لقال ذلك، وكذلك قول عنترة: " وزور من وقع القنا. . . . البيت "؛ (سيجيء بعد هذا) . . . وقال أبو عبيدة في (مجاز القرآن ١: ٤١١) : وجاز " أن ينقض " مجاز: يقع. يقال: انقضت الدار إذا انهدمت وسقطت، وقرأ قوم " أن ينقاض "، ومجازه: أن ينقلع من أصله ويتصدع؛ بمنزلة قولهم: قد انقاضت السن: أي إن صدعت، وتقلعت من أصلها.
(٣) سبق الكلام على البيت في الشاهد السابق عليه وهو من شواهد الفراء في معاني القرآن.
(٤) سبق الكلام على البيت في الشاهد السابق على الذي قبله. ولبانه: صدره: والقنا: جمع قناة، وهي الرمح. وهو من شواهد الفراء.

<<  <  ج: ص:  >  >>