من قول الله عز وجل:(إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ) وفيه لغتان: الأصيد، وهي لغة أهل نجد، والوصيد: وهي لغة أهل تهامة وذُكِر عن أبي عمرو بن العلاء، قال: إنها لغة أهل اليمن، وذلك نظير قولهم: ورّخت الكتاب وأرخته، ووكدت الأمر وأكدته، فمن قال الوصيد، قال: أوصدت الباب فأنا أُوصِده، وهو مُوصَد، ومن قال الأصيد، قال: آصدت الباب فهو مُؤْصَد، فكان معنى الكلام: وكلبهم باسط ذراعيه بفناء كهفهم عند الباب، يحفظ عليهم بابه.
وقوله:(لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا) يقول: لو اطلعت عليهم في رقدتهم التي رقدوها في كهفهم، لأدبرت عنهم هاربا منهم فارّا، (وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا) يقول:
ولملئت نفسُك من اطلاعك عليهم فَزَعا، لما كان الله ألبسهم من الهيبة، كي لا يصل إليهم واصل، ولا تلمِسهم يد لامس حتى يبلغ الكتاب فيهم أجله، وتوقظهم من رقدتهم قدرته وسلطانه في الوقت الذي أراد أن يجعلهم عبرة لمن شاء من خلقه، وآية لمن أراد الاحتجاج بهم عليه من عباده، ليعلموا أن وعد الله حق، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله:(وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا) فقرأته عامة قراء المدينة بتشديد اللام من قوله: (وَلَمُلِّئْتَ) بمعنى أنه كان يمتلئ مرّة بعد مرّة. وقرأ ذلك عامة قراء العراق:(وَلَمُلِئْتَ) بالتخفيف، بمعنى: لملئت مرّة، وهما عندنا قراءتان مستفيضتان في القراءة، متقاربتا المعنى، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب.