يقول تعالى ذكره: قالوا ما صالح إلا رجل اختلق على الله كذبا في قوله: (مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) وفي وعده إياكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مُخرجون. وقوله:(هُوَ) من ذكر الرسول، وهو صالح. (وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ) يقول: وما نحن له بمصدقين فيما يقول: إنه لا إله لنا غير الله، وفيما يعدنا من البعث بعد الممات. وقوله:(قَالَ رَبِّ انْصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ) يقول: قال صالح لما أيس من إيمان قومه بالله، ومن تصديقهم إياه بقولهم:(وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ) ربّ انصرني على هؤلاء بما كذّبون يقول: بتكذيبهم إياي فيما دعوتهم إليه من الحقِّ، فاستغاث صلوات الله عليه بربه من أذاهم إياه، وتكذيبهم له، فقال الله له مجيبًا في مسألته إياه ما سأله: عن قليل يا صالح ليصبحن مكذبوك من قومك على تكذيبهم إياك نادمين، وذلك حين تَنزل بهم فتنتنا فلا ينفعهم الندم.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤١) }
يقول تعالى ذكره: فانتقمنا منهم، فأرسلنا عليهم الصيحة، فأخذتهم بالحقّ، وذلك أن الله عاقبهم باستحقاقهم العقاب منه بكفرهم به، وتكذيبهم رسوله (فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً) يقول: فصيرناهم بمنزلة الغثاء، وهو ما ارتفع على السيل ونحوه، كما لا ينتفع به في شيء فإنما هذا مثل، والمعنى: فأهلكناهم فجعلناهم كالشيء الذي لا منفعة فيه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس:(فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) يقول: جعلوا كالشيء