للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٥٥) }

يقول تعالى ذكره: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ منكم) أيها الناس، (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) يقول: وأطاعوا الله ورسوله فيما أمراه ونهياه (لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأرْضِ) يقول: ليورثنهم الله أرض المشركين من العرب والعجم، فيجعلهم ملوكها وساستها (كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يقول: كما فعل منْ قبلهم ذلك ببني إسرائيل، إذ أهلك الجبابرة بالشأم، وجعلهم ملوكها وسكانها (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ) يقول: وليوطئنّ لهم دينهم، يعني: ملتهم التي ارتضاها لهم، فأمرهم بها. وقيل: وعد الله الذين آمنوا، ثم تلقى ذلك بجواب اليمين بقوله: (ليستخلفنهم) لأن الوعد قول يصلح فيه "أن"، وجواب اليمين كقوله: وعدتك أن أكرمك، ووعدتك لأكرمنك.

واختلف القرّاء في قراءة قوله: (كَمَا اسْتَخْلَفَ) فقرأته عامة القرّاء (كَمَا اسْتَخْلَفَ) بفتح التاء واللام، بمعنى: كما استخلف الله الذين من قبلهم من الأمم. وقرأ ذلك عاصم "كَما اسْتُخْلِفَ" بضم التاء وكسر اللام، على مذهب ما لم يسمّ فاعله.

واختلفوا أيضا في قراءة قوله: (وليبدلنهم) فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار سوى عاصم (وليبدلنهم) بتشديد الدال، بمعنى: وليغيرنّ حالهم عما هي عليه من الخوف إلى الأمن، والعرب تقول: قد بدّل فلان إذا غيرت حاله، ولم يأت مكان غيره، وكذلك كلّ مغير عن حاله، فهو عندهم مبدل بالتشديد. وربما قيل بالتخفيف، وليس بالفصيح، فأما إذا جعل مكان الشيء المبدل غيره، فذلك بالتخفيف أبدلته فهو مبدل. وذلك كقولهم: أبدل هذا الثوب: أي جُعل مكانه آخر غيره، وقد يقال بالتشديد غير أن الفصيح من الكلام ما وصفت. وكان عاصم يقرؤه "وَلَيُبْدِلَنَّهُمْ" بتخفيف الدال.

والصواب من القراءة في ذلك التشديد، على المعنى الذي وصفت قبلُ، لإجماع الحجة من قرّاء الأمصار عليه، وأن ذاك تغيير حال الخوف إلى الأمن، وأرى عاصما ذهب إلى أن الأمن لما كان خلاف الخوف وجَّه المعنى إلى أنه ذهب بحال الخوف، وجاء بحال الأمن، فخفف ذلك.

ومن الدليل على ما قلنا، من أن التخفيف إنما هو ما كان في إبدال شيء مكان آخر، قول أبي النجم:

عَزْلُ الأمير للأمِيرِ المبْدَل (١)


(١) البيت من مشطور الرجز، لأبي النجم العجلي الراجز (اللسان: بدل) قال: قال أبو العباس (يعني ثعلبًا) وحقيقته: أن التبديل تغيير الصورة إلى صورة أخرى، والجوهرة بعينها؛ والإبدال: تنحية الجوهرة، واستئناف جوهرة أخرى. منه قول أبي النجم: * عزل الأمير للأمير المبدل *
ألا ترى أنه نحى جسمًا، وجعل مكانه جسمًا غيره؟ .

<<  <  ج: ص:  >  >>