(وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ) وهذا القول أصحّ عندي في المعنى من القول الآخر، ولو قال قائل: معناه: ولا أَنتم بمعجزين في الأرض، ولا أنتم لو كنتم في السماء بمعجزين كان مذهبا.
وقوله:(وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) يقول: وما كان لكم أيها الناس من دون الله من وليّ يلي أموركم، ولا نصير ينصركم منه الله إن أراد بكم سوءا ولا يمنعكم منه إن أحل بكم عقوبته.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢٣) }
يقول تعالى ذكره: والذين كفروا حُجَجَ الله، وأنكروا أدلته، وجحدوا لقاءه والورود عليه، يوم تقوم الساعة:(أُولَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي) يقول تعالى ذكره: أولئك يئسوا من رحمتي في الآخرة لما عاينوا ما أعدّ لهم من العذاب، وأولئك لهم عذاب مُوجِع.
فإن قال قائل: وكيف اعْترض بهذه الآيات من قوله: (وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ... ) إلى قوله: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) وترك ضمير قوله: (فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ) وهو من قصة إبراهيم. وقوله:(إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ... ) إلى قوله: (فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) .
قيل: فعل ذلك كذلك، لأن الخبر عن أمر نوح وإبراهيم وقومهما، وسائر مَنْ ذَكَر الله من الرسل والأمم في هذه السورة وغيرها، إنما هو تذكير من الله تعالى ذكره به الَّذِينَ يبتدئ بذكرهم قبل الاعتراض بالخبر، وتحذير منه لهم أن يحلّ بهم ما حلّ بهم، فكأنه قيل في هذا الموضع: فاعبدوه واشكروا له إليه ترجعون، فكذّبتم أنتم معشر قريش رسولكم محمدا، كما كذّب أولئك إبراهيم، ثم جَعَل مكان: فكذّبتم: وإن تكذبوا فقد كَذَّب أمم من قبلكم، إذ كان ذلك يدل على الخبر عن تكذيبهم رسولَهم، ثم عاد إلى الخبر عن إبراهيم وقومه، وتتميم قصته وقصتهم بقوله:(فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ) .