حسن كان أهل الجاهلية يعملون به ويستحسنونه إلا أمر الله به، وليس من خُلق سيِّئ كانوا يتعايرونه بينهم إلا نهى الله عنه وقدّم فيه. وإنما نهى عن سفاسف الأخلاق ومَذامِّها.
يقول تعالى ذكره: وأوفوا بميثاق الله إذا واثقتموه، وعقده إذا عاقدتموه، فأوجبتم به على أنفسكم حقا لمن عاقدتموه به وواثقتموه عليه (وَلا تَنْقُضُوا الأيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا) يقول: ولا تخالفوا الأمر الذي تعاقدتم فيه الأيمان، يعني بعد ما شددتم الأيمان على أنفسكم، فتحنثوا في أيمانكم وتكذبوا فيها وتنقضوها بعد إبرامها، يقال منه: وكَّد فلان يمينه يوكدها توكيدًا: إذا شددها وهي لغة أهل الحجاز، وأما أهل نجد، فإنهم يقولون: أكدتها أؤكدها تأكيدا. وقوله (وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلا) يقول: وقد جعلتم الله بالوفاء بما تعاقدتم عليه على أنفسكم راعيًا يرعى الموفى منكم بعهد الله الذي عاهد على الوفاء به والناقض.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل على اختلاف بينهم فيمن عني بهذه الآية وفيما أنزلت، فقال بعضهم: عُنِيَ بها الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام، وفيهم أنزلت.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمارة الأسدي، قال: ثنا عبد الله بن موسى، قال: أخبرنا أبو ليلى، عن بريدة، قوله (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ) قال: أنزلت هذه الآية في بيعة النبيّ صلى الله عليه وسلم، كان من أسلم بايع على الإسلام، فقالوا (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ) هذه البَيعة التي بايعتم على الإسلام (وَلا تَنْقُضُوا الأيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا) البيعة، فلا يحملكم قلة محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه وكثرة المشركين أن تنقضوا البيعة التي بايعتم على الإسلام، وإن كان فيهم قلة والمشركين فيهم كثرة.
وقال آخرون: نزلت في الحِلْف الذي كان أهل الشرك تحالفوا في