العلم. وذلك أنه غير معقول في لغة من اللغات أن يقال: صدَق الرجل بمعنى علم. فإذْ كان ذلك كذلك، فقد وجب أن يكون الله جل ثناؤه قال للملائكة - على تأويل قول هذا الذي حكينا قوله في هذه الآية-:"أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين" وهو يعلم أنهم غيرُ صادقين، يريد بذلك أنهم كاذبون. وذلك هو عين ما أنكره، لأنه زعم أن الملائكة لم تدَّع شيئًا، فكيف جاز أن يقال لهم: إن كنتم صَادقين، فأنبئوني بأسماء هؤلاء؟ هذا مع خروج هذا القول - الذي حكيناه عن صاحبه - من أقوال جميع المتقدمين والمتأخرين من أهل التأويل والتفسير.
وقد حُكي عن بعض أهل التفسير أنه كان يتأول قوله:"إن كنتم صادقين" بمعنى: إذْ كنتم صادقين.
ولو كانت"إن" بمعنى"إذ" في هذا الموضع، لوجب أن تكون قراءتها بفتح ألفها، لأن"إذ" إذا تقدّمها فعل مُستقبل صارت علة للفعل وسببًا له. وذلك كقول القائل:"أقوم إذ قمت". فمعناه أقوم من أجل أنّك قمت. والأمرُ بمعنى الاستقبال، فمعنى الكلام - لو كانت"إن" بمعنى"إذ" -: أنبئوني بأسماء هؤلاء من أجل أنكم صادقون. فإذا وُضعت "إن" مكان ذلك قيل: أنبئوني بأسماء هؤلاء أنْ كنتم صَادقين، مفتوحةَ الألف. وفي إجماع جميع قُرّاء أهل الإسلام على كسر الألف من"إنْ"، دليل واضح على خطأ تأويل من تأول"إن" بمعنى"إذ" في هذا الموضع.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى ذكره: {قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (٣٢) }
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله جل ذكره عن ملائكته، بالأوبة إليه، وتسليم علم ما لم يعلموه له، وتبرِّيهم من أن يعلموا أو يعلم أحد شيئًا إلا ما علّمه تعالى ذكره.