للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القول في تأويل قوله تعالى: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ (٩١) }

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واذكر التي أحصنت فرجها، يعني مريم بنت عمران.

ويعني بقوله (أَحْصَنَتْ) : حفظت فرجها ومنعت فرجها مما حرم الله عليها إباحته فيه.

واختلف في الفرج الذي عنى الله جلّ ثناؤه أنها أحصنته، فقال بعضهم: عنى بذلك فرج نفسها أنها حفظته من الفاحشة.

وقال آخرون: عنى بذلك جيب درعها أنها منعت جبرائيل منه قبل أن تعلم أنه رسول ربها، وقبل أن تثبته معرفة، قالوا: والذي يدلّ على ذلك قوله (فَنَفَخْنَا فِيهَا) ويعقب ذلك قوله (وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا) قالوا: وكان معلوما بذلك أن معنى الكلام: والتي أحصنت جيبها (فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا) .

قال أبو جعفر: والذي هو أولى القولين عندنا بتأويل ذلك قول من قال: أحصنت فرجها من الفاحشة، لأن ذلك هو الأغلب من معنييه عليه، والأظهر في ظاهر الكلام، (فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا) يقول: فنفخنا في جيب درعها من روحنا، وقد ذكرنا اختلاف المختلفين في معنى قوله (فَنَفَخْنَا فِيهَا) في غير هذا الموضع، والأولى بالصواب من القول في ذلك فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.

وقوله (وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ) يقول: وجعلنا مريم وابنها عبرة لعالمي زمانهما يعتبرون بهما ويتفكرون في أمرهما، فيعلمون عظيم سلطاننا وقدرتنا على ما نشاء: وقيل آية ولم يقل آيتين وقد ذكر آيتين، لأن معنى الكلام: جعلناهما عَلَما لنا وحجة، فكل واحدة منهما في معنى الدلالة على الله،

<<  <  ج: ص:  >  >>