وفريقا في السعير، لو ما أدخلتهم كلهم الجنة قال: يا موسى ارفع زرعك، فرفع، قال: قد رفعت، قال: ارفع، فرفع، فلم يترك شيئا، قال: يا رب قد رفعت، قال: ارفع، قال: قد رفعت إلا ما لا خير فيه، قال: كذلك أدخل خلقي كلهم الجنة إلا ما لا خير فيه. وقيل:(فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) فرفع. وقد تقدم الكلام قبل ذلك بقوله:(لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا) بالنصب، لأنه أريد به الابتداء، كما يقال: رأيت العسكر مقتول أو منهزم، بمعنى: منهم مقتول، ومنهم منهزم.
يقول تعالى ذكره: ولو أراد الله أن يجمع خلقه على هدى، ويجعلهم على ملة واحدة لفعل، و (لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً) يقول: أهل ملة واحدة، وجماعة مجتمعة على دين واحد.
يقول: لم يفعل ذلك فيجعلهم أمة واحدة، ولكن يدخل من يشاء، من عباده في رحمته، يعني أنه يدخله في رحمته بتوفيقه إياه للدخول في دينه، الذي ابتعث به نبيه محمدا صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم.
يقول: والكافرون بالله ما لهم من ولي يتولاهم يوم القيامة، ولا نصير ينصرهم من عقاب الله حين يعاقبهم، فينقذهم من عذابه، ويقتص لهم ممن عاقبهم، وإنما قيل هذا لرسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم تسلية له عما كان يناله من الهمّ بتولية قومه عنه، وأمرا له بترك إدخال المكروه على نفسه من أجل إدبار من أدبر عنه منهم، فلم يستجب لما دعاه إليه من الحق، وإعلاما له أن أمور عباده بيده، وأنه الهادي إلى الحق من شاء، والمضل من أراد دونه، ودون كلّ أحد سواه.