للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يعني بذلك: علامة من حسن، (١) فإذا أعلم الرجل بعلامة يعرف بها في حرب أو غيره قيل:"سوَّم نفسه فهو يسوِّمها تسويمًا". (٢)

* * *

القول في تأويل قوله جل ثناؤه: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١٢٦) }

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره: وما جعل الله وعده إياكم ما وعدكم من إمداده إياكم بالملائكة الذين ذكر عددهم ="إلا بشرى لكم"، يعني بشرى، يبشركم بها ="ولتطمئن قلوبكم به"، يقول. وكي تطمئن بوعده الذي وعدكم من ذلك قلوبكم، فتسكن إليه، ولا تجزع من كثرة عدد عدوكم، وقلة عددكم ="وما النصر إلا من عند الله"، يعني: وما ظفركم إن ظفرتم بعدوكم إلا بعون الله، لا من قِبَل المدد الذي يأتيكم من الملائكة. يقول: فعلى الله فتوكلوا، وبه فاستعينوا، لا بالجموع وكثرة العدد، فإن نصركم إن كان إنما يكون بالله وبعونه ومعكم من ملائكته خمسة آلاف، (٣) فإنه إلى أن يكون ذلك بعون الله وبتقويته إياكم على عدوكم، وإن كان معكم من البشر جموع كثيرة = أحْرَى، (٤) فاتقوا الله واصبروا


(١) انظر تفسيره"السيما" فيما سلف ٥: ٥٩٤.
(٢) انظر تفسير"سوم" فيما سلف ٥: ٢٥١ - ٢٥٧.
(٣) في المخطوطة والمطبوعة: "وبعونه معكم من ملائكته. . ." بإسقاط الواو من"معكم"، وهو خلل في الكلام والسياق.
(٤) سياق الكلام: "فإنه إلى أن يكون ذلك بعون الله وبتقويته إياكم. . . أحرى". ثم انظر إلى هذا الإمام كيف يتحرى في بيان معاني كتاب الله إخلاص التوحيد لله، ونفى الشرك عنه في صفاته سبحانه، فأخرج من النصر ما يتوهم المتوهم أن نزول الملائكة كان هو سبب نصر المؤمنين، فلخص المعنى تلخيصًا كله تقوى لله وإخلاص له، ونفي للشرك عن صفاته سبحانه، فبين أن النصر من عند الله للمؤمنين وللملائكة جميعًا على عدو الله وعدوهم، وأنهم إنما كانوا مددًا للمؤمنين، كما قال ربنا سبحانه. وهذا من فقه أبي جعفر وبصره وتحققه بمعاني هذا الكتاب الذي لا يدرك أحد توحيد الله حق توحيده إلا بتلاوته وفهمه وتفقهه فيه، واتباعه لبيانه العربي المحكم. ورحم الله أبا جعفر، فإنه كان إمامًا في التفسير، قيما عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>