حدثنا محمد، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الكلبي (وَعَلامَاتٍ) قال: الجبال.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره عدّد على عباده من نعمه، إنعامه عليهم بما جعل لهم من العلامات التي يهتدون بها في مسالكهم وطرقهم التي يسيرونها، ولم يخصص بذلك بعض العلامات دون بعض، فكلّ علامة استدلّ بها الناس على طرقهم، وفجاج سبُلهم، فداخل في قوله (وَعَلامَاتٍ) والطرق المسبولة: الموطوءة، علامة للناحية المقصودة، والجبال علامات يهتدي بهن إلى قصد السبيل، وكذلك النجوم بالليل. غير أن الذي هو أولى بتأويل الآية أن تكون العلامات من أدلة النهار، إذ كان الله قد فصل منها أدلة الليل بقوله (وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ) وإذا كان ذلك أشبه وأولى بتأويل الآية، فالواجب أن يكون القول في ذلك ما قاله ابن عباس في الخبر الذي رويناه عن عطية عنه، وهو أن العلامات معالم الطرق وأماراتها التي يهتدى بها إلى المستقيم منها نهارا، وأن يكون النجم الذي يهتدى به ليلا هو الجدي والفرقدان، لأن بها اهتداء السفر دون غيرها من النجوم.
فتأويل الكلام إذن: وجعل لكم أيها الناس علامات تستدلون بها نهارا على طرقكم في أسفاركم. ونجوما تهتدون بها ليلا في سُبلكم.
القول في تأويل قوله تعالى: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٧) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨) }
يقول تعالى ذكره لعبدة الأوثان والأصنام: أفمن يخلق هذه الخلائق العجيبة التي عددناها عليكم وينعم عليكم هذه النعم العظيمة، كمن لا يخلق شيئا ولا ينعم عليكم نعمة صغيرة ولا كبيرة؟ يقول: أتشركون هذا في عبادة هذا؟ يعرّفهم بذلك عظم جهلهم، وسوء نظرهم لأنفسهم، وقلَّة شكرهم لمن أنعم عليهم بالنعم التي عدّدها عليهم، التي لا يحصيها أحد غيره، قال لهم جلّ ثناؤه