يعني تعالى ذكره بقوله: ذلك هذا الذي ذكرت لكم أيها الناس من بدئنا خلقكم في بطون أمهاتكم، ووصفنا أحوالكم قبل الميلاد وبعده، طفلا وكهلا وشيخا هرما وتنبيهناكم على فعلنا بالأرض الهامدة بما ننزل عليها من الغيث، لتؤمنوا وتصدّقوا بأن ذلك الذي فعل ذلك الله الذي هو الحقّ لا شك فيه، وأن من سواه مما تعبدون من الأوثان والأصنام باطل لأنها لا تقدر على فعل شيء من ذلك، وتعلموا أن القدرة التي جعل بها هذه الأشياء العجيبة لا يتعذّر عليها أن يحيي بها الموتى بعد فنائها ودروسها في التراب، وأن فاعل ذلك على كلّ ما أراد وشاء من شيء قادر لا يمتنع عليه شيء أراده، ولتوقنوا بذلك أن الساعة التي وعدتكم أن أبعث فيها الموتى من قبورهم جاثية لا محالة (لا رَيْبَ فِيهَا) يقول: لا شك في مجيئها وحدوثها، (وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ) حينئذ من فيها من الأموات أحياء إلى موقف الحساب، فلا تشكوا في ذلك، ولا تمترُوا فيه.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ (٨) }
يقول تعالى ذكره: ومن الناس من يخاصم في توحيد الله وإفراده بالألوهة بغير علم منه بما يخاصم به (وَلا هُدًى) يقول: وبغير بيان معه لما يقول ولا برهان.
(وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ) يقول: وبغير كتاب من الله أتاه لصحة ما يقول.
(منير) يقول ينير عن حجته. وإنما يقول ما يقول من الجهل ظنا منه وحسبانا،