اختلف أهل التأويل في معنى قوله (وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ) وقد ذكرنا اختلافهم في ذلك والصواب من القول عندنا فيه في سورة الأنبياء بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع. فتأويل الكلام: فاغتسل وشرب، ففرجنا عنه ما كان فيه من البلاء، ووهبنا له أهله، من زوجة وولد (وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا) له ورأفة (وَذِكْرَى) يقول: وتذكيرا لأولي العقول، ليعتبروا بها فيتعظوا.
وقد حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: أخبرني نافع بن يزيد، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم قال:"إنَّ نَبِيَّ الله أيُّوبَ لَبِثَ بِهِ بَلاؤهُ ثَمانِيَ عَشْرَة سَنَة، فَرَفَضَه القَرِيبُ وَالبَعِيدُ، إلا رَجُلانِ مِنْ إخْوَانِهِ كانا مِنْ أخَصّ إخْوَانِهِ بِهِ، كَانَا يَغْدُوانِ إلَيْهِ ويَرُوحانِ، فَقالَ أحَدُهُما لِصَاحِبه: تَعْلَم والله لَقَدْ أذْنَبَ أيُّوبُ ذَنْبًا ما أذْنَبَهُ أحَدٌ مِنَ العَالَمِينَ، قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: ومَا ذَاكَ؟ قَالَ: مِنْ ثَمانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً لَمْ يَرْحَمْهُ الله فَيَكْشِفَ ما بِهِ; فَلَمَّا رَاحا إلَيْهِ لَمْ يَصْبِر الرَّجُلُ حتَّى ذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فقَالَ أيَّوُّبُ: لا أدْرِي ما تَقُولُ، غَيرَ أنَّ الله يَعْلَمُ أنِّي كُنْتُ أمُرُّ على الرُّجُلَيْنِ يَتَنازَعانِ فَيَذْكُرَانِ الله، فَأَرْجِعَ إلى بَيْتِي فَأكفِّرُ عَنْهُما كَرَاهِيَةَ أنْ يُذْكَرَ الله إلا في حَقّ; قال: وكان يَخْرُجُ إلى حاجَتِهِ، فإذَا قَضَاها أمْسَكَت امْرأُتُه بِيَدِهِ حتى يَبْلُغ فَلَما كانَ ذاتَ يَوْمٍ أبْطَأُ عَلَيْها، وأوحِيَ إلى أيُّوب في مَكانِهِ:(ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ) فاسْتَبطأتَهُ، فَتَلقتهُ تَنْظُرُ، فأقْبَلَ عَلَيْهَا قَدْ أذْهَبَ الله ما بِهِ مِنَ البَلاءِ، وَهُوَ عَلى أحْسَنِ ما كانَ; فَلَمَّا رَأتْهُ قَالَتْ: أيْ بارَكَ الله فِيكَ، هَلْ رَأَيْتَ نَبِيَّ الله هَذَا المُبْتَلى، فوالله على ذلك ما رَأَيْتُ أحَدًا