(وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا) قال: فارس والروم.
وقال آخرون: بل هي خيبر.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثنى أبي، عن أبيه، عن ابن عباس (وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا) ... الآية، قال: هي خيبر.
حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: أخبرنا عبيد بن سليمان، قال: سمعت الضحاك، يقول في قوله (وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا) يعني خيبر، بعثهم رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم يومئذ، فقال: ولا تُمَثِّلُوا وَلا تَغُلُّوا، ولا تَقْتُلُوا وَلِيدًا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا) قال: خيبر، قال: لم يكونوا يذكرونها ولا يرجونها حتى أخبرهم الله بها.
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق (وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا) يعني أهل خيبر. وقال آخرون: بل هي مكة.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا) كنا نحدّث أنها مكة.
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن قتادة (وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا) قال: بلغنا أنها مكة.
وهذا القول الذي قاله قتادة أشبه بما دلّ عليه ظاهر التنزيل، وذلك أن الله أخبر هؤلاء الذين بايعوا رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم تحت الشجرة، أنه محيط بقرية لم يقدروا عليها، ومعقولٌ أنه لا يقال لقوم لم يقدروا على هذه المدينة، إلا أن يكونوا قد راموها فتعذّرت عليهم، فأما وهم لم يروموها فتتعذّر عليهم فلا يقال: إنهم لم يقدروا عليها.
فإذ كان ذلك كذلك، وكان معلوما أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لم يقصد قبل نزول هذه الآية عليه خيبر لحرب، ولا وجه إليها لقتال أهلها جيشا ولا سرية، علم أن المعنيَّ بقوله (وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا) غيرها، وأنها هي التي قد عالجها ورامها، فتعذّرت فكانت مكة وأهلها كذلك، وأخبر الله تعالى ذكره نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم والمؤمنين أنه أحاط بها وبأهلها، وأنه فاتحها عليهم، وكان الله على كلّ ما يشاء من الأشياء ذا قُدرة، لا يتعذّر عليه شيء شاءه.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الأدْبَارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا (٢٢) سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ