واختلفت القرّاء في قراءة قوله (بِقَادِرٍ) فقرأ ذلك عامة قرّاء الأمصار، عن أبي إسحاق والجَحْدريّ والأعرج (بقادِرٍ) وهي الصحيحة عندنا لإجماع قرّاء الأمصار عليها. وأما الآخرون الذين ذكرتهم فإنهم فيما ذُكر عنهم كانوا يقرءون ذلك "يقدر" بالياء. وقد ذُكر أنه في قراءة عبد الله بن مسعود (أنَّ الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَواتِ والأرْضَ قَادِرٌ) بغير باء، ففي ذلك حجة لمن قرأه "بقادِرٍ" بالباء والألف. وقوله (بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) يقول تعالى ذكره: بلى، يقدر الذي خلق السموات والأرض على إحياء الموتى: أي الذي خلق ذلك على كلّ شيء شاء خلقه، وأراد فعله، ذو قدرة لا يعجزه شيء أراده، ولا يُعييه شيء أراد فعله، فيعييه إنشاء الخلق بعد الفناء، لأن من عجز عن ذلك فضعيف، فلا ينبغي أن يكون إلها من كان عما أراد ضعيفا.
يقول تعالى ذكره: ويوم يعرض هؤلاء المكذّبون بالبعث، وثواب الله عباده على أعمالهم الصالحة، وعقابه إياهم على أعمالهم السيئة، على النار، نار جهنم، يقال لهم حينئذ: أليس هذا العذاب الذي تعذّبونه اليوم، وقد كنتم تكذّبون به في الدنيا بالحقّ، توبيخا من الله لهم على تكذيبهم به، كان في الدنيا (قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا) يقول: فيجيب هؤلاء الكفرة من فورهم بذلك، بأن يقولوا بلى هو الحق والله قال:(فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) يقول: فقال لهم المقرّر بذلك: فذوقوا عذاب النار الآن بما كنتم تجحدونه في الدنيا، وتنكرونه، وتأبون الإقرار إذا دُعيتم إلى التصديق به.
القول في تأويل قوله تعالى: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ