اختلف أهل العربية فيما نعتت به قوله:(وَأُخْرَى) فقال بعض نحوييّ البصرة: معنى ذلك: وتجارة أخرى، فعلى هذا القول يجب أن يكون أخرى في موضع خفض عطفًا به على قوله:(هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) وقد يحتمل أن يكون رفعًا على الابتداء. وكان بعض نحويي الكوفة يقول: هي في موضع رفع. أي ولكم أخرى في العاجل مع ثواب الآخرة، ثم قال:(نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ) مفسرًا للأخرى.
والصواب من القول في ذلك عندي القول الثاني، وهو أنه معنّي به: ولكم أخرى تحبونها، لأن قوله:(نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ) مبين عن أن قوله: (وَأُخْرَى) في موضع رفع، ولو كان جاء ذلك خفضًا حسن أن يجعل قوله:(وَأُخْرَى) عطفا على قوله: (تِجَارَةً) ، فيكون تأويل الكلام حينئذ لو قرئ ذلك خفضًا، وعلى خلة أخرى تحبونها، فمعنى الكلام إذا كان الأمر كما وصفت: هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم، تؤمنون بالله ورسوله، يغفر لكم ذنوبكم، ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار، ولكم خلة أخرى سوى ذلك في الدنيا تحبونها: نصر من الله لكم على أعدائكم، وفتح قريب يعجله لكم.
(وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: وبشر يا محمد المؤمنين بنصر الله إياهم على عدّوهم، وفتح عاجل لهم.
وقوله:(يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ) اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة (كُونُواْ أَنْصَارَ اللهِ) بتنوين الأنصار. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة بإضافة الأنصار إلى الله.
والصواب من القول في ذلك عندي أنهما قراءتان معروفتان صحيحتا