يعني تعالى ذكره بقوله (ذلكَ) هذا الفعل الذي فعلت من إيلاجي الليل في النهار، وإيلاجي النهار في الليل، لأني أنا الحقّ الذي لا مثل لي ولا شريك ولا ندّ، وأن الذي يدعوه هؤلاء المشركون إلها من دونه هو الباطل الذي لا يقدر على صنعة شيء، بل هو المصنوع، يقول لهم تعالى ذكره: أفتتركون أيها الجهال عبادة من منه النفع وبيده الضر وهو القادر على كل شيء وكلّ شيء دونه، وتعبدون الباطل الذي لا تنفعكم عبادته. وقوله:(وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) يعني بقوله: (العَلِي) ذو العلو على كل شيء، هو فوق كل شيء وكل شيء دونه. (الكَبِيرُ) يعني العظيم، الذي كل شيء دونه ولا شيء أعظم منه.
وكان ابن جُرَيج يقول في قوله:(وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ) ما: حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، قال: قال ابن جُرَيج، في قوله:(وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ) قال: الشيطان.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله:(وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) فقرأته عامة قرّاء العراق والحجاز: "تَدْعُون" بالتاء على وجه الخطاب; وقرأته عامة قرّاء العراق غير عاصم بالياء على وجه الخبر، والياء أعجب القراءتين إليّ، لأن ابتداء الخبر على وجه الخطاب.
يقول تعالى ذكره:(أَلَمْ تَرَ) يا محمد (أَنَّ اللَّهَ أَنزلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً) يعني مطرا (فَتُصْبِحُ الأرْضُ مُخْضَرَّةً) بما ينبت فيها من النبات (إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ) باستخراج النبات من الأرض بذلك الماء وغير ذلك من ابتداع ما شاء أن يبتدعه (خَبِيرٌ) بما يحدث عن ذلك النبت من الحبّ، وبه قال:(فَتُصْبِحُ الأرْضُ) فرفع، وقد تقدمه قوله:(أَلَمْ تَرَ) وإنما قيل ذلك كذلك لأن معنى الكلام الخبر، كأنه قيل: اعلم يا محمد أن الله ينزل من السماء ماء فتصبح الأرض;