* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، قوله (يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ) : أي بمعرفته وطاعته.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: معناه: فتستجيبون لله من قبوركم بقدرته، ودعائه إياكم، ولله الحمد في كلّ حال، كما يقول القائل: فعلت ذلك الفعل بحمد الله، يعني: لله الحمد على كلّ ما فعلته، وكما قال الشاعر:
فإنّي بِحَمْد الله لا ثَوْبَ فاجِرٍ ... لَبِسْتُ وَلا مِنْ غَدْرَةٍ أتَقَنَّعُ (١)
بمعنى: فإني والحمد لله لا ثوب فاجر لبست.
وقوله (وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا) يقول: وتحسبون عند موافاتكم القيامة من هول ما تعاينون فيها ما لبثتم في الأرض إلا قليلا كما قال جلّ ثناؤه (قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأرْضِ عَدَدَ سِنِينَ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ) .
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة (وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا) : أي في الدنيا، تحاقرت الدنيا في أنفسهم وقلَّت، حين عاينوا يوم القيامة.
وقوله (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) يقول تعالى ذكره لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم:
وقل يا محمد لعبادي يقل بعضهم لبعض التي هي أحسن من المحاورة والمخاطبة.
كما حدثنا خلاد بن أسلم، قال: ثنا النضر، قال: أخبرنا المبارك، عن الحسن في هذه الآية (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) قال: التي هي أحسن، لا يقول له مثل قوله يقول له: يرحمك الله يغفر الله لك.
وقوله (إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزغُ بَيْنَهُمْ) يقول: إن الشيطان يسوء محاورة بعضهم بعضا ينزغ بينهم، يقول: يفسد بينهم، يهيج بينهم الشر (إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا) يقول: إن الشيطان كان لآدم وذرّيته عدوّا، قد أبان لهم عداوته بما أظهر لآدم من الحسد، وغروره إياه حتى أخرجه من الجنة.
القول في تأويل قوله تعالى: {رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ وَكِيلا (٥٤) }
يقول تعالى ذكره لهؤلاء المشركين من قريش الذين قالوا (أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا) - (رَبُّكُمْ) أيها القوم (أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ) فيتوب عليكم برحمته، حتى تنيبوا عما أنتم عليه من الكفر به وباليوم الآخر (إِنْ يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ) بأن يخذلكم عن الإيمان، فتموتوا على شرككم، فيعذّبكم يوم القيامة بكفركم به.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن عبد الملك بن جريج قوله (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِنْ يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ) قال:
(١) البيت شاهد على أن قوله "بحمد الله" في معنى "والحمد لله". واستشهد به القرطبي في (١٠: ٢٧٦) ولم ينسبه إلى قائل معروف.