بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا) ; لأن قوله:(لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا) حكم من الله في البيوت التي لها سكان وأرباب. وقوله:(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ) حكم منه في البيوت التي لا سكان لها، ولا أرباب معروفون، فكل واحد من الحكمين حكم في معنى غير معنى الآخر، وإنما يستثنى الشيء من الشيء إذا كان من جنسه أو نوعه في الفعل أو النفس، فأما إذا لم يكن كذلك، فلا معنى لاستثنائه منه. وقوله:(وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ) يقول تعالى ذكره: والله يعلم ما تظهرون أيها الناس بألسنتكم من الاستئذان إذا استأذنتم على أهل البيوت المسكونة (وَمَا تَكْتُمُونَ) يقول: وما تضمرونه في صدوركم عند فعلكم ذلك ما الذي تقصدون به إطاعة الله، والانتهاء إلى أمره، أم غير ذلك.
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم:(قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ) بالله وبك يا محمد (يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) يقول: يكفوا من نظرهم إلى ما يشتهون النظر إليه، مما قد نهاهم الله عن النظر إليه (وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) أن يراها من لا يحلّ له رؤيتها، بلبس ما يسترها عن أبصارهم (ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ) يقول: فإن غضها من النظر عما لا يحلّ النظر إليه، وحفظ الفرج عن أن يظهر لأبصار الناظرين؛ أطهر لهم عند الله وأفضل (إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) يقول: إن الله ذو خبرة بما تصنعون أيها الناس فيما أمركم به من غض أبصاركم عما أمركم بالغضّ عنه، وحفظ فروجكم عن إظهارها لمن نهاكم عن إظهارها له.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ بن سهل الرملي، قال: ثنا حجاج، قال: ثنا أبو جعفر، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية في قوله:(قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) قال: كل فرج ذُكِرَ حِفْظُهُ في القرآن فهو من الزنا إلا هذه (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) فإنه يعني الستر.
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس،