بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا) وجعل بينهما سترا لا يلتقيان. قال: والعرب إذا كلم أحدهم الآخر بما يكره قال حجرا، قال: سترا دون الذي تقول.
قال أبو جعفر: وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في معنى قوله: (وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا) دون القول الذي قاله من قال معناه: إنه جعل بينهما حاجزا من الأرض أو من اليبس، لأن الله تعالى ذكره أخبر في أوّل الآية أنه مرج البحرين، والمرج: هو الخلط في كلام العرب على ما بيَّنت قبل، فلو كان البرزخ الذي بين العذب الفرات من البحرين، والملح الأجاج أرضا أو يبسا لم يكن هناك مرج للبحرين، وقد أخبر جلّ ثناؤه أنه مرجهما، وإنما عرفنا قدرته بحجزه هذا الملح الأجاج عن إفساد هذا العذب الفرات، مع اختلاط كلّ واحد منهما بصاحبه. فأما إذا كان كلّ واحد منهما في حيز عن حيز صاحبه، فليس هناك مرج، ولا هناك من الأعجوبة ما ينبه عليه أهل الجهل به من الناس، ويذكرون به، وإن كان كلّ ما ابتدعه ربنا عجيبا، وفيه أعظم العبر والمواعظ والحجج البوالغ.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا (٥٤) }
يقول تعالى ذكره: والله الذي خلق من النطف بشرا إنسانا فجعله نسبا، وذلك سبعة، وصهرا، وهو خمسة.
كما حُدثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذ يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: (فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا) النسب: سبع، قوله:(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ) ... إلى قوله (وَبَنَاتُ الأخْتِ) والصهر خمس، قوله:(وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ) ... إلى قوله (وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) .
وقوله:(وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا) يقول: وربك يا محمد ذو قدرة على خلق ما يشاء من الخلق، وتصريفهم فيما شاء وأراد.
القول في تأويل قوله تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُهُمْ وَلا يَضُرُّهُمْ وَكَانَ الْكَافِرُ عَلَى رَبِّهِ ظَهِيرًا (٥٥) }
يقول تعالى ذكره: ويعبد هؤلاء المشركون بالله من دونه آلهة لا تنفعهم، فتجلب