يقول تعالى ذكره: ويوم تجيء الساعة التي يحشر فيها الخلق إلى الله يومئذ، يقول في ذلك اليوم (يَتَفَرَّقُونَ) يعني: يتفرّق أهل الإيمان بالله، وأهل الكفر به، فأما أهل الإيمان، فيؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة، وأما أهل الكفر فيؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار، فهنالك يميز الله الخبيث من الطيِّب.
كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة في قوله:(وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ) قال: فرقة والله، لا اجتماع بعدها (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا) بالله ورسوله (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) يقول: وعملوا بما أمرهم الله به، وانتهوا عما نهاهم عنه (فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ) يقول: فهم في الرياحين والنباتات الملتفة، وبين أنواع الزهر في الجنان يُسرون، ويلذّذون بالسماع وطيب العيش الهنيّ، وإنما خصّ جلّ ثناؤه ذكر الروضة في هذا الموضع، لأنه لم يكن عند الطرفين أحسن منظرا، ولا أطيب نشرا من الرياض، ويدل على أن ذلك كذلك قول أعشي بني ثعلبة:
(١) الأبيات الثلاثة لأعشى بني قيس بن ثعلبة (ديوانه طبع القاهرة بشرح الدكتور محمد حسين ص ٥٧) والرواية فيه: من رياض الحزن. وهو المرتفع من الأرض. وأورد أبو عبيدة في مجاز القرآن (الورقة ١٨٧) البيت الأول والثالث. والرواية فيه: من رياض الحزم. وهو بمعنى الحزن أي الغليظ من الأرض. قال أبو عبيدة: (في روضة يحبرون) : مجازه يفرحون ويسرون. وليس شيء أحسن عند العرب من الرياض المعشبة، ولا أطيب ريحًا؛ قال الأعشى: "ما روضة ... " إلخ. اهـ. قلت: ورواية الحزن أو الحزم أحسن الروايات، ورياض الحزن أطيب من رياض المنخفضات، لأن الريح تهب عليها فتهيج رائحتها، ولأن الأقدام لا تطؤها، ولأن الشمس تضربها من جميع نواحيها فيزكو زرعها وينضر. والمسبل: المطر. والهطل: الغزير، والكوكب النور والشرق: الزاهي والمؤزر الذي حوله نبات آخر، فهو كالإزار له. والمكتهل: الذي قد بلغ وتم. والنشر: تضوع الرائحة. والأصل: جمع أصيل، وهو وقت الغروب أو قبيله بقليل، حين تصفر الشمس وتدنو من الغروب.