يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم (قُلْ) يا محمد (لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا) بك، وصدّقوا أن ما جئتهم به من عندي (يُقِيمُوا الصَّلاةَ) يقول: قل لهم: فليقيموا الصلوات الخمس المفروضة عليهم بحدودها، ولينفقوا مما رزقناهم، فخوّلناهم من فضلنا سرّا وعلانية، فليؤدّوا ما أوجبت عليهم من الحقوق فيها سرّا وإعلانا (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ) يقول: لا يقبل فيه فدية وعوض من نفس وجب عليها عقاب الله بما كان منها من معصية ربها في الدنيا، فيقبل منها الفدية، وتترك فلا تعاقب. فسمى الله جل ثناؤه الفدية عوضا، إذ كان أخذ عوض من معتاض منه. وقوله (وَلا خِلالٌ) يقول: وليس، هناك مخالة خليل، فيصفح عمن استوجب العقوبة عن العقاب لمخالته، بل هنالك العدل والقسط، فالخلال مصدر من قول القائل: خاللت فلانا فأنا أخاله مخالة وخلالا ومنه قول امرئ القيس:
وجزم قوله (يُقِيمُوا الصَّلاةَ) بتأويل الجزاء، ومعناه: الأمر يراد قل لهم ليقيموا الصلاة.
حدثني المثنى، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس (قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاةَ) يعني الصلوات الخمس (وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً) يقول: زكاة أموالهم.
حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا هشام، عن عمرو، عن سعيد، عن قتادة، في قوله (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ) قال قتادة: إن الله تبارك وتعالى قد علم أن في الدنيا بيوعا وخلالا يتخالُّون بها في
(١) البيت لامرئ القيس (مختار الشعر الجاهلي بشرح مصطفى السقا، طبعة الحلبي ص ٤٠) قال: الردى هنا: الفضيحة، أي لم أنصرف عنهن لأني قليّهن، ولا لأنهن قلينني، ولكن خشية الفضيحة والعار. والخلال هنا: مصدر خاله يخاله خلال ومخالة، بمعنى المصادقة، وبه استشهد المؤلف على هذا المعنى وفي (اللسان: خلل) وقوله تعالى: " لا بيع فيه ولا خلال ": قيل: هو مصدر خالك، وقيل: هو جمع خلة (بضم الخاء) كجلة وجلال، وفي مجاز القرآن لأبي عبيدة: مجازة: مبايعة فدية، ولا مخالة خليل، وله موضع آخر أيضا، تجعله جمع خلة بمنزلة جلة، والجمع: جلال؛ وقلة، والجمع: قلال.