للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عبادنا، فيشكرونا على ذلك، وينزجروا عن كفرهم بنا، وإشراكهم ما لا ينفعنا، ولا يضرّهم في عبادتنا أنا جعلنا بلدهم حرما، حرّمنا على الناس أن يدخلوه بغارة أو حرب، آمنا يأمن فيه من سكنه، فأوى إليه من السباء، والخوف، والحرام الذي لا يأمنه غيرهم من الناس، (وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) يقول: وتُسْلَب الناس من حولهم قتلا وسباء.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، في قوله: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) قال: كان لهم في ذلك آية، أن الناس يُغزَون ويُتَخَطَّفون وهم آمنون.

وقوله: (أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ) يقول: أفبالشرك بالله يقرّون بألوهة الأوثان بأن يصدّقوا، وبنعمة الله التي خصهم بها من أن جعل بلدهم حرما آمنا يكفرون، يعني بقوله: (يكفرون) : يجحدون.

كما حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة، قوله: (أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُون) : أي بالشرك (وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ) : أي يجحدون.

القول في تأويل قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (٦٨) }

يقول تعالى ذكره: ومن أظلم أيها الناس ممن اختلق على الله كذبا، فقالوا إذا فعلوا فاحشة: وجدنا عليها آباءنا، والله أمرنا بها، والله لا يأمر بالفحشاء (أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ) يقول: أو كذّب بما بعث الله به رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم من توحيده، والبراءة من الآلهة والأنداد لما جاءه هذا الحقّ من عند الله (أليس في جهنم مثوى للكافرين) يقول: أليس في النار مَثْوًى ومَسْكَن لمن كفر بالله، وجحد توحيده وكذّب رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا تقرير، وليس باستفهام، إنما هو كقول جرير:

أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكبَ المَطايا ... وأنْدَى العَالَمِينَ بُطُونَ رَاح (١)


(١) البيت لجرير بن عطية الخطفي، من قصيدة يمدح بها عبد الملك بن مروان (ديوانه طبعة الصاوي بالقاهرة ص ٩٨) والمطايا: جمع مطية، وهي الإبل يركب مطاها، أي ظهرها في الأسفار. والراح: جمع راحة اليد. والبيت شاهد عند المؤلف وعند أبي عبيدة على أن المراد بالاستفهام فيه التقرير، لا حقيقة الاستفهام. والتقرير: حمل المخاطب على أن يتقرر بالمسئول عنه ويعترف به. قال أبو عبيدة في مجاز القرآن، الورقة (١٨٦ - أ) عند قوله تعالى: (أليس في جهنم مثوى للكافرين) مجازه مجاز الإيجاب، لأن هذه الألف تكون للاستفهام والإيجاب، فهي هنا للإيجاب. وقال جرير: "ألستم ... " البيت، فهذا لم يشك، ولكن أوجب لهم أنهم كذلك، ولولا ذلك ما أثابوه، والرجل يعاتب عبده ويقول: أفعلت كذا؟ وهو لا يشك. ويروى أن عبد الملك لما سمع هذا البيت أجابه بقوله: نعم نحن كذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>