يقول تعالى ذكره:(وَقَالَ مُوسَى) مجيبا لفرعون: (رَبِّي أَعْلَمُ) بالمحق منا يا فرعون من المبطل، ومن الذي جاء بالرشاد إلى سبيل الصواب والبيان عن واضح الحجة من عنده، ومن الذي له العقبى المحمودة في الدار الآخرة منا، وهذه معارضة من نبيّ الله موسى عليه السلام لفرعون، وجميل مخاطبة، إذ ترك أن يقول له: بل الذي غرّ قومه وأهلك جنوده، وأَضَلّ أتباعه أنت لا أنا، ولكنه قال:(رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جَاءَ بِالْهُدَى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ) ثم بالغ في ذمّ عدوّ الله بأجمل من الخطاب فقال: (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) يقول: إنه لا ينجح ولا يدرك طلبتهم الكافرون بالله تعالى، يعني بذلك فرعون إنه لا يفلح ولا ينجح لكفره به.
يقول تعالى ذكره: وقال فرعون لأشراف قومه وسادتهم: (يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي) فتعبدوه، وتصدّقوا قول موسى فيما جاءكم به من أن لكم وله ربا غيري ومعبودا سواي (فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ) يقول: فاعمل لي آجرا، وذُكر أنه أوّل من طبخ الآجر وبنى به.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، عن مجاهد:(فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ) قال: على المدَر يكون لَبِنا مطبوخا.
قال ابن جُرَيج: أوّل من أمر بصنعة الآجرّ وبنى به فرعون.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة:(فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ) قال: فكان أوّل من طبخ الآجرّ يبني به الصرح.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قول الله: (فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ) قال: المطبوخ الذي يوقد عليه هو من طين يبنون به البنيان.
وقوله:(فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا) يقول: ابنِ لي بالآجرّ بناء، وكل بناء مسطح فهو صرح كالقصر. ومنه قول الشاعر: