للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القول في تأويل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأنْثَى بِالأنْثَى}

قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:"كتب عليكم القصاص في القتلى"، فُرض عليكم.

* * *

فإن قال قائل: أفرضٌ على وليّ القتيل القصاصُ من قاتل وَليّه؟

قيل: لا ولكنه مباح له ذلك، والعفو، وأخذُ الدية.

فإن قال قائل: وكيف قال:"كتب عليكم القصاص"؟

قيل: إن معنى ذلك على خلاف ما ذهبتَ إليه، وإنما معناه: يا أيها الذين آمنوا كُتب عليكم القصَاص في القتلى الحرّ بالحرّ والعبدُ بالعبد والأنثى بالأنثى، أي أن الحر إذا قتل الحرَّ، فَدم القاتل كفءٌ لدم القتيل، والقصاصُ منه دون غيره من الناس، فلا تجاوزوا بالقتل إلى غيره ممن لم يقتل، فإنه حرام عليكم أن تقتلوا بقتيلكم غيرَ قاتله.

والفرض الذي فرضَ الله علينا في القصاص، هو ما وصفتُ من ترك المجاوزة بالقصاص قَتلَ القاتل بقتيله إلى غيره، لا أنه وجب علينا القصاص فرضًا وجُوب فرضِ الصلاة والصيام، حتى لا يكون لنا تركه. ولو كان ذلك فرضًا لا يجوز لنا تركه، لم يكن لقوله:"فَمن عُفي لهُ من أخيه شيء"، معنى مفهوم. لأنه لا عفو بعد القصاص فيقال:"فمن عفي له من أخيه شيء".

* * *

وقد قيل: إن معنى القصاص في هذه الآية، مقاصَّة ديات بعض القتلى بديات بعض. وذلك أن الآية عندهم نزلت في حِزبين تحاربوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتل بعضهم بعضًا، فأُمِر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن يُصْلح بينهم بأن تَسقط ديات نساء أحد الحزبين بديات نساء الآخرين، ودياتُ رجالهم

<<  <  ج: ص:  >  >>