فدخلا وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جلس على سريري وجاهي، فقالا أي بينة، إن كنت صنعت ما قال الناس فاستغفري الله، وإن لم تكوني صنعتيه فأخبري رسول الله بعذرك، قلت: ما أجد لي ولكم إلا كأبي يوسف (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) قالت: فالتمست اسم يعقوب فما قدرت، أو فلم أقدر عليه، فشخص بصر رسول الله إلى السقف، وكان إذا نزل عليه وجد قال الله:(إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلا ثَقِيلا) فوالذي هو أكرمه، وأنزل عليه الكتاب ما زال يضحك حتى إني لأنظر إلى نواجذه سرورا، ثم مسح عن وجهه، فقال:" يا عائشَةُ أبْشرِي، قد أنزل اللهُ عُذْرَك" قلت: بحمد الله لا بحمدك، ولا بحمد أصحابك، قال الله:(إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) ... حتى بلغ (وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ) وكان أبو بكر حلف أن لا ينفع مسطحا بنافعة، وكان بينهما رحم، فلما أنزلت:(وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ) ... حتى بلغ:(وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) قال أبو بكر: بلى، أي ربّ، فعاد إلى الذي كان لمسطح (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ) ... حتى بلغ (أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) قالت عائشة: والله ما كنت أرجو أن ينزل فيّ كتاب ولا أطمع به، ولكن أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم رؤيا تذهب ما في نفسه، قالت: وسأل الجارية الحبشية فقالت: والله لعائشة أطيب من طيب الذهب، وما بها عيب إلا أنها ترقد حتى تدخل الشاة فتأكل عجينها، ولئن كانت صنعت ما قال الناس ليخبرنك الله، قال: فعجب الناس من فقهها.
القول في تأويل قوله تعالى: {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (١٢) }
وهذا عتاب من الله تعالى ذكره أهل الإيمان به فيما وقع في أنفسهم من إرجاف من أرجف في أمر عائشة بما أرجف به، يقول لهم تعالى ذكره: هلا أيها الناس إذ سمعتم ما قال أهل الإفك في عائشة ظن المؤمنون منكم والمؤمنات بأنفسهم خيرا: يقول: ظننتم بمن قرف بذلك منكم خيرا، ولم تظنوا به أنه أتى الفاحشة، وقال بأنفسهم، لأن أهل الإسلام كلهم بمنزلة نفس واحدة، لأنهم أهل ملة واحدة.