يرضونه لأنفسهم، فاتباع ذلك من الكلام ما كان نظيرا له أشبه وأولى من اتباعه ما لم يجر له ذكر.
واختلف القرّاء في قراءة قوله:(أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ) فقرأته عامة قرّاء المدينة والبصرة وبعض المكيين والكوفيين"أوْ مَنْ يَنْشَأُ" بفتح الياء والتخفيف من نَشَأَ ينشأ. وقرأته عامة قرّاء الكوفة (يُنَشَّأُ) بضم الياء وتشديد الشين من نَشَّأْتُهُ فهو يُنَشَّأُ. والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان في قراءة الأمصار، متقاربتا المعنى، لأن المُنَشَّأ من الإنشاء ناشئ، والناشئ منشأ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب. وقد ذُكر أن ذلك في قراءة عبد الله"أوَ مَنْ لا يُنشَّأُ إلا فِي الحلْية"، وفي"من" وجوه من الإعراب الرفع على الاستئناف والنصب على إضمار يجعلون كأنه قيل: أو من ينشأ في الحلية يجعلون بنات الله. وقد يجوز النصب فيه أيضا على الردّ على قوله: أم اتخذ مما يخلق بنات أو من ينشأ في الحلية، فيردّ"من" على البنات، والخفض على الردّ على"ما" التي في قوله: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلا) .
القول في تأويل قوله تعالى: {وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (١٩) }
يقول تعالى ذكره: وجعل هؤلاء المشركون بالله ملائكته الذين هم عباد الرحمن.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء المدينة"الذين هم عند الرحمن" بالنون، فكأنهم تأولوا في ذلك قول الله جلّ ثناؤه:(إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ) فتأويل الكلام على هذه القراءة: وجعلوا ملائكة الله الذين هم عنده يسبحونه ويقدسونه إناثا، فقالوا: هم بنات الله جهلا منهم بحق الله، وجرأة منهم على قيل الكذب والباطل. وقرأ ذلك عامة قرّاء الكوفة والبصرة