القول في تأويل قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلا أُنزلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا (٢١) }
يقول تعالى ذكره: وقال المشركون الذين لا يخافون لقاءنا، ولا يَخْشَون عقابنا، هلا أنزل الله علينا ملائكة، فتخبرَنا أن محمدًا محقّ فيما يقول، وأن ما جاءنا به صدق، أو نرى ربنا فيخبرنا بذلك، كما قال جلّ ثناؤه مخبرا عنهم:(وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعًا) ثم قال بعد: (أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلا) يقول الله: لقد استكبر قائلو هذه المقالة في أنفسهم، ونعظموا، (وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا) يقول: وتجاوزوا في الاستكبار بقيلهم ذلك حدّه.
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال كفار قريش: (لَوْلا أُنزلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ) فيخبرونا أن محمدا رسول الله (لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا) لأن"عتا" من ذوات الواو، فأخرج مصدره على الأصل بالواو، وقيل في سورة مريم (وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا) وإنما قيل ذلك كذلك لموافقة المصادر في هذا الوجه جمع الأسماء كقولهم: قعد قعودا، وهم قوم قعود، فلما كان ذلك كذلك، وكان العاتي يجمع عتيا بناء على الواحد، جعل مصدره أحيانا موافقا لجمعه، وأحيانا مردودا إلى أصله.
القول في تأويل قوله تعالى: {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا (٢٢) }
يقول تعالى ذكره: يوم يرى هؤلاء الذين قالوا: (لَوْلا أُنزلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا) بتصديق محمد الملائكة، فلا بشرى لهم يومئذ بخير (وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَحْجُورًا) يعني أن الملائكة يقولون للمجرمين حجرا محجورا، حراما محرّما عليكم اليوم البشرى أن تكون لكم من الله; ومن الحجر قول المتلمس: