للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقول الراجز:

يَقْذِفْنَ فِي أسْلابِها بالسَّلائِلِ (١)

القول في تأويل قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (١٣) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (١٤) }

يعني تعالى ذكره بقوله: (ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ) ثم جعلنا الإنسان الذي جعلناه من سلالة من طين نطفة في قرار مكين، وهو حيث استقرّت فيه نطفة الرجل من رحم المرأة، ووصفه بأنه مكين؛ لأنه مكن لذلك، وهيأ له ليستقرّ فيه إلى بلوغ أمره الذي جعله له قرارا. وقوله: (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً) يقول: ثم صيرنا النطفة التي جعلناها في قرار مكين علقة، وهي القطعة من الدم، (فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً) يقول: فجعلنا ذلك الدم مضغة، وهي القطعة من اللحم.

وقوله: (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا) يقول: فجعلنا تلك المضغة اللحم عظاما. وقد اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والعراق سوى عاصم: (فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا) على الجمع، وكان عاصم وعبد الله يقرآن ذلك: (عَظْما) في الحرفين على التوحيد جميعا.


(١) كذا ورد هذا الشطر في الأصول محرفًا وحسبه المؤلف من الرجز، ويلوح لي أن هذا جزء من بيت للنابغة الذبياني نسخه بعض النساخ في بعض الكتب، ولم يفطن له المؤلف. وبيت النابغة من البحر الطويل، وهو من قصيدة له يصف الخيل في وقعة عمرو بن الحارث الأصغر الغساني ببني مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان، قال فيها: وَقَدْ خِفْتُ حتى مَا تَزِيدُ مَخَافَتِي ... عَلى وَعِلٍ فِي ذِي المَطَارَةِ عَاقِلِ
مَخَافَةَ عَمْرٍو أَنْ تَكُونَ جِيَادُهُ ... يُقَدْنَ إِلَيْنَا بَيْنَ حَافٍ وَنَاعِلِ
إِذَا اسْتَعْجَلُوهَا عَنْ سَجِيَّةِ مَشْيِهَا ... تَتَلَّعُ فِي أَعْنَاقِهَا بِالجَحَافِلِ
وَيَقْذِفْنَ بِالأَوْلادِ فِي كُلِّ مَنْزِلٍ ... تَشَحَّطُ فِي أسْلائِهَا كَالْوَصَائِلِ
وهذا البيت الأخير هو محل الشاهد في بحثنا وليس فيه شاهد للمؤلف على السلائل جمع السلالة، لأنها لم تذكر في البيت ولا في القصيدة كلها. وأصل تشحط: تتشحط، أي تضطرب يريد أولاد الخيل. والسلى: الجلدة التي يكون فيها الولد من الإنسان أو الحيوان إذا ولد. الوصائل الثياب الحمر المخططة. والمراد أن الأسلاب كانت موشحة بالدم، وانظر البيت في (اللسان: شحط) وفي المخصص. لابن سيده (١: ١٧) ومختار الشعر الجاهلي بشرح مصطفى السقا (طبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بالقاهرة ص ٢١١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>