للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القول في تأويل قوله: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (٥٩) }

قال أبو جعفر: اختلفت القرأة في قراءة ذلك.

فقرأ ذلك عامة قرأة الحجاز والعراق: " وَلا تحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ " بكسر الألف من "إنهم"، وبالتاء في "تحسبن" =بمعنى: ولا تحسبن، يا محمد، الذين كفروا سبقونا ففاتونا بأنفسهم. ثم ابتدئ الخبر عن قدرة الله عليهم فقيل: إن هؤلاء الكفرة لا يعجزون ربهم، إذا طلبهم وأراد تعذيبهم وإهلاكهم، بأنفسهم فيفوتوه بها.

* * *

وقرأ ذلك بعض قرأة المدينة والكوفة: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، بالياء في "يحسبن"، وكسر الألف من (إِنَّهُمْ) .

* * *

وهي قراءة غير حميدة، لمعنيين، (١) أحدهما خروجها من قراءة القرأة وشذوذها عنها =والآخر: بعدها من فصيح كلام العرب. وذلك أن "يحسب" يطلب في كلام العرب منصوبًا وخبره، كقوله: "عبد الله يحسب أخاك قائمًا" و"يقوم" و"قام". فقارئ هذه القراءة أصحب "يحسب" خبرًا لغير مخبر عنه مذكور. وإنما كان مراده، ظنّي: (٢) ولا يحسبن الذين كفروا سبقوا إنهم لا يعجزوننا =فلم يفكر في صواب مخرج الكلام وسُقمه، واستعمل في قراءته ذلك كذلك، ما ظهر له من مفهوم الكلام. وأحسب أن الذي دعاه إلى ذلك، الاعتبارُ بقراءة عبد الله. وذلك أنه فيما ذكر في مصحف عبد الله: " وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا


(١) هذه القراءة التي ردها أبو جعفر، هي قراءتنا اليوم.
(٢) في المطبوعة: " وإنما كان مراد بطي ولا يحسبن "، فأتى بعجب لا معنى له. وقول الطبري: " ظني "، يقول كما نقول اليوم: " فيما أظن ".

<<  <  ج: ص:  >  >>