للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَنَّهُمْ سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ "، وهذا فصيح صحيح، إذا أدخلت "أنهم" في الكلام، لأن "يحسبن" عاملة في "أنهم"، وإذا لم يكن في الكلام "أنهم" كانت خالية من اسم تعمل فيه.

وللذي قرأ من ذلك من القرأة وجهان في كلام العرب، وإن كانا بعيدين من فصيح كلامهم:

أحدهما: أن يكون أريد به: ولا يحسبن الذين كفروا أن سبقوا، أو: أنهم سبقوا =ثم حذف "أن" و"أنهم"، كما قال جل ثناؤه: (وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا) ، [الروم: ٢٤] . بمعنى: أن يريكم، وقد ينشد في نحو ذلك بيت لذي الرمة:

أَظُنّ ابْنُ طُرْثُوثٍ عُتَيْبَةُ ذَاهِبًا بِعَادِيَّتِي تَكْذَابُهُ وَجَعَائِلُهْ (١)


(١) ديوانه ٤٧٣، من قصيدة ذكر فيها " المهاجر بن عبد الله الكلابي " والي اليمامة، وكان للمهاجر عريف من السعاة بالبادية يقال له: " رومي "، فاختلف ذو الرمة، وعتيبة بن طرثوث في بئر عادية، فخاصم ذو الرمة إلى رومي، فقضى رومي لابن طرثوث قبل فصل الخصومة، وكتب له بذلك سجلا، فقال ذو الرمة من قصيدته تلك، برواية ديوانه: أقُولُ لِنَفْسِي، لا أُعَاتِبُ غَيْرَهَا ... وَذُو اللُّبِّ مَهْمَا كَانَ، لِلنَّفْسِ قائِلُهْ
لَعَلَّ ابْنَ طُرْثُوثٍ عَتَيْبَةُ ذَاهِبٌ ... بِعَادِيَّتِي تَكْذَابُهُ وَجَعَائِلُهْ
بِقَاعٍ، مَنَعْنَاهُ ثَمَانينَ حِجَّةً ... وَبِضْعًا، لَنَا أَحْرَاجُه وَمَسَايِلُهْ
ثم ذكر المهاجر بالذكر الجميل، ثم قال: يَعِزُّ، ابْنَ عَبْدِ اللهِ، مَنْ أَنْتَ نَاصِرٌ ... وَلا يَنْصُرُ الرَّحْمَنُ مَنْ أنْتَ خَاذِلُهْ
إذَا خَافَ قَلْبِي جَوْرَ سَاعٍ وَظُلْمَهُ ... ذَكَرْتُكَ أُخْرَى فَاطْمَأَنَّتْ بَلابِلُهْ
تَرَى اللهَ لا تَخْفَى عَلَيْهِ سَرِيرَةٌ ... لِعَبْدٍ، ولا أَسْبَابُ أَمْرٍ يُحَاوِلهْ
لَقَدْ خَطَّ رُومِيٌّ، وَلا زَعَمَاتِهِ، ... لِعُتْبَةَ خَطًّا لَمْ تُطَبَّقْ مَفَاصِلُهْ
بِغَيْرِ كتابٍ وَاضِحٍ مِنْ مُهَاجِرٍ ... وَلا مُقْعَدٍ مِنِّي بخَصْمٍ أُجَادِلهْ
هذه قصة حية. وكان في المطبوعة: " عيينة "، والصواب من الديوان، ومما يدل عليه الشعر السالف إذ سماه " عتبة "، ثم صغره. و " العادية "، البئر القديمة، كأنها من زمن " عاد ". و " التكذاب "، مصدر مثل " الكذب ". و " الجعائل "، الرشي، تجعل للعامل المرتشي.

<<  <  ج: ص:  >  >>