يعني بقوله" لبسن الليل": أدخلن في سواده فاستترن به.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن قتادة (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا) قال: سكنا. وقوله:(وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا) يقول: وجعلنا النهار لكم ضياء لتنتشروا فيه لمعاشكم، وتتصرّفوا فيه لمصالح دنياكم، وابتغاء فضل الله فيه، وجعل جلّ ثناؤه النهار إذ كان سببا لتصرّف عباده لطلب المعاش فيه معاشا، كما في قول الشاعر:
وأخُو الهمومِ إذا الهُمُومُ تَحَضرَتْ ... جُنْحَ الظَّلامِ وِسادُهُ لا يَرْقُدُ (١)
فجعل الوساد هو الذي لا يرقد، والمعنى لصاحب الوساد.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء، جميعا عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله:(النَّهَارَ مَعَاشًا) قال: يبتغون فيه من فضل الله.
يقول تعالى ذكره:(وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ) : وسقفنا فوقكم، فجعل السقف بناء، إذ كانت العرب تسمي سقوف البيوت - وهي سماؤها - بناءً وكانت السماء للأرض سقفا، فخاطبهم بلسانهم إذ كان التنزيل بِلسانهم، وقال (سَبْعًا شِدَادًا) إذ كانت وثاقا محكمة الخلق، لا صدوع فيهنّ ولا فطور، ولا يبليهنّ مرّ الليالي والأيام.
وقوله:(وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا) يقول تعالى ذكره: وجعلنا سراجا، يعني بالسراج: الشمس وقوله: (وَهَّاجًا) يعني: وقادا مضيئا.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
(١) ديوانه: ١٩، وقد جاء في طبقات فحول الشعراء: ١٣١ في نسب الشاعر: سلامة بن جندل بن عبد الرحمن"، وهذه رواية ابن سلام، وغيره يقول: "ابن عبد"، فإن صحت رواية ابن سلام، فهي دليل آخر قوي على فساد دعوى الشنقيطي.