بأيديهم وأيدي المؤمنين، ثم يبنون ما خرّب المسلمون.
واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الحجاز والمدينة والعراق سوى أَبي عمرو:(يُخْرِبُونَ) بتخفيف الراء، بمعنى يخرجون منها ويتركونها معطلة خرابًا، وكان أبو عمرو يقرأ ذلك (يخرّبون) بالتشديد في الراء، بمعنى يهدّمون بيوتهم. وقد ذكر عن أَبي عبد الرحمن السلمي والحسن البصري أنهما كانا يقرآن ذلك نحو قراءة أَبي عمرو. وكان أبو عمرو فيما ذكر عنه يزعم أنه إنما اختار التشديد في الراء لما ذكرت من أن الإخراب: إنما هو ترك ذلك خرابًا بغير ساكن، وإن بني النضير لم يتركوا منازلهم، فيرتحلوا عنها، ولكنهم خرّبوها بالنقض والهدم، وذلك لا يكون فيما قال إلا بالتشديد.
وأولى القراءتين في ذلك بالصواب عندي قراءة من قرأه بالتخفيف، لإجماع الحجة من القرّاء عليه. وقد كان بعض أهل المعرفة بكلام العرب يقول: التخريب والإخراب بمعنى واحد، وإنما ذلك في اختلاف اللفظ لا اختلاف في المعنى.
وقوله:(فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الأبْصَارِ) يقول تعالى ذكره: فاتعظوا يا معشر ذوي الأفهام بما أحلّ الله بهؤلاء اليهود الذين قذف الله في قلوبهم الرعب، وهم في حصونهم من نقمته، واعلموا أن الله وليّ من والاه، وناصر رسوله على كلّ من ناوأه، ومحلّ من نقمته به نظيرَ الذي أحلّ ببني النضير. وإنما عنى بالأبصار في هذا الموضع أبصار القلوب، وذلك أن الاعتبار بها يكون دون الإبصار بالعيون.