في تأويل الذكر في هذا الموضع، فقال بعضهم: هو بيان الحقّ لهم بما أنزل على رجل منهم من هذا القرآن.
*ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا عبد الله، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله:(بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ) يقول: بيَّنا لهم.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: بل أتيناهم بشرفهم; وذلك أن هذا القرآن كان شرفا لهم، لأنه نزل على رجل منهم، فأعرضوا عنه وكفروا به. وقالوا: ذلك نظير قوله (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) وهذان القولان متقاربا المعنى؛ وذلك أن الله جل ثناؤه أنزل هذا القرآن بيانا بين فيه ما لخلقه إليه الحاجة من أمر دينهم، وهو مع ذلك ذكر لرسوله صلى الله عليه وسلم وقومه وشرف لهم.
يقول تعالى ذكره: أم تسأل هؤلاء المشركين يا محمد من قومك خراجا، يعني أجرا على ما جئتهم به من عند الله من النصيحة والحقّ; (فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ) فأجر ربك على نفاذك لأمره، وابتغاء مرضاته خير لك من ذلك، ولم يسألهم صلى الله عليه وسلم على ما أتاهم به من عند الله أجرا، قال لهم كما قال الله له، وأمره بقيله لهم:(قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى) وإنما معنى الكلام: أم تسألهم على ما جئتهم به أجرا، فنكصوا على أعقابهم إذا تلوته عليهم، مستكبرين بالحرم، فخراج ربك خير.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن عبد الأعلى، قال: ثنا ابن ثور، عن معمر، عن الحسن:(أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ) قال: أجرا.
حدثنا الحسن، قال: ثنا عبد الرزاق، قال: أخبرنا معمر عن الحسن، مثله.
وأصل الخراج والخرج: مصدران لا يجمعان.
وقوله:(وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) يقول: والله خير من أعطى عوضا على عمل