يعني تعالى ذكره بقوله (أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ) أو يهلكهم في تصرّفهم في البلاد، وتردّدهم في أسفارهم (فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ) يقول جلّ ثناؤه: فإنهم لا يعجزون الله من ذلك إن أراد أخذهم كذلك.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى وعليّ بن داود، قالا ثنا عبد الله بن صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ) قال: إن شئت أخذته في سفر.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: ثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة (أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ) في أسفارهم.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة، مثله.
وقال ابن جريج في ذلك ما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج (أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ) قال: التقلب: أن يأخذهم بالليل والنهار.
وأما قوله (أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ) فإنه يعني: أو يهلكهم بتخوّف، وذلك بنقص من أطرافهم ونواحيهم الشيء بعد الشيء حتى يهلك جميعهم، يقال منه: تخوّف مال فلان الإنفاق: إذا انتقصه، ونحو تخوّفه من التخوّف بمعنى التنقص، قول الشاعر:
يعني بقوله تخوّف السير: تنقص سَنامها. وقد ذكرنا عن الهيثم بن عدّي أنه كان يقول: هي لغة لأزد شَنوءة معروفة لهم، ومنه قول الآخر
(١) البيت لابن مقبل (لسان العرب: خوف) قال: التخوف: التنقص. وفي التنزيل: "أو يأخذهم على تخوف". قال الفراء في التفسير بأنه التنقيص قال: والعرب تقول: تحوقته أي تنقصته من حافاته. قال: فهذا الذي سمعته. قال: وقد أتى التفسير بالحاء قال الزجاج: ويجوز أن يكون معناه: أو يأخذهم بعد أن يخيفهم بأن يهلك قرية، فتخاف التي تليها. وقال ابن مقبل: تخوف ... إلخ والسفن: الحديدة = التي تبرد بها القسي، أي تنقص، كما تأكل هذه الحديدة خشب القسي. وكذلك التخويف، يقال: خوفه وخوف منه. قال ابن السكيت: يقال: هو يتحوف المال (بالمهملة) ويتخوفه، أي يتنقصه، ويأخذ من أطرافه. وقال ابن الأعرابي: تحوفته وتحيفته، وتخوفته وتخيفته إذا تنقصته. والتامك السنام أو السنام المرتفع. والقرد: الذي تجمع شعره، أو الذي تراكم لحمه من السمن. وفي "فتح القدير" للشوكاني: التخوف بالفاء: التنقص: لغة لأزد شنوءة. والنبع من شجر الجبال نتخذه من القس، الواحدة نبعة.