واختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرّاء الأمصار:(رَبِّ أَنزلْنِي مُنزلا مُبَارَكًا) بضم الميم وفتح الزاي، بمعنى: أنزلني إنزالا مباركا. وقرأه عاصم (مَنزلا) بفتح الميم وكسر الزاي. بمعنى: أنزلني مكانًا مباركًا وموضعا.
وقوله:(إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ) يقول تعالى ذكره: إن فيما فعلنا بقوم نوح يا محمد، من إهلاكناهم إذ كذبوا رسلنا، وجحدوا وحدانيتنا وعبدوا الآلهة والأصنام- لعبرا لقومك من مشركي قريش، وعظات وحُجَجا لنا، يستدلون بها على سنتنا في أمثالهم، فينزجروا عن كفرهم، ويرتدعوا عن تكذيبك، حذرا أن يصيبهم مثل الذي أصابهم من العذاب.
وقوله:(وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ) يقول تعالى ذكره: وكنا مختبريهم بتذكيرنا إياهم بآياتنا، لننظر ما هم عاملون قبل نزول عقوبتنا بهم.
يقول تعالى ذكره: ثم أحدثنا من بعد مَهْلِك قوم نوح، قرنا آخرين، فأوجدناهم (فَأَرْسَلْنَا فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ) داعيا لهم، (أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ) يا قوم، وأطيعوه دون الآلهة والأصنام، فإن العبادة لا تنبغي إلا له (مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) يقول: ما لكم من معبود يصلح أن تعبدوا سواه (أَفَلا تَتَّقُونَ) أفلا تخافون عقاب الله بعبادتكم شيئا دونه، وهو الإله الذي لا إله لكم سواه.
يقول تعالى ذكره: وقالت الأشراف من قوم الرسول الذي أرسلنا بعد نوح، وعَنَى بالرسول في هذا الموضع: صالحًا، وبقومه: ثمود. (الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاءِ الآخِرَةِ) يقول: الذين جحدوا توحيد الله، وكذبوا بلقاء الآخرة، يعني، كذّبوا بلقاء الله في الآخرة. وقوله:(وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) يقول: ونعَّمناهم في حياتهم الدنيا بما وسَّعنا عليهم