للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القول في تأويل قوله: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإسْلامِ}

قال أبو جعفر: ويقول تعالى ذكره: فمن يرد الله أن يهديه للإيمان به وبرسوله وما جاء به من عند ربه، فيوفقه له (١) = (يشرح صدره للإسلام) ، يقول: فسح صدره لذلك وهوَّنه عليه، وسهَّله له، بلطفه ومعونته، حتى يستنير الإسلام في قلبه، فيضيء له، ويتسع له صدره بالقبول، كالذي جاء الأثر به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي:-

١٣٨٥٢- حدثنا سوّار بن عبد الله العنبري قال، حدثنا المعتمر بن سليمان قال، سمعت أبي يحدث، عن عبد الله بن مرة، عن أبي جعفر قال: لما نزلت هذه الآية: (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) ، قالوا: كيف يشرح الصدر؟ قال: إذا نزل النور في القلب انشرح له الصدر وانفسح. قالوا: فهل لذلك آية يعرف بها؟ قال: نعم، الإنابة إلى دار الخلود، والتجافي عن دار الغرور، والاستعداد للموت قبل الفوت. (٢)


(١) انظر تفسير ((الهدى)) فيما سلف من فهارس اللغة (هدى) .
(٢) الأثر: ١٣٨٥٢ - ((عبد الله بن مرة)) ، هكذا هو في المخطوطة والمطبوعة وتفسير ابن كثير، وأنا أستبعد أن يكون كذلك لأسباب.
الأول - أني أستبعد أن يكون هو ((عبد الله بن مرة الخارفي)) ، الذي يروي عن ابن عمر، ومسروق، وأبي كثف، والذي يروي عنه العمش، ومنصور. وهو مترجم في التهذيب، وابن أبي حاتم ٢ / ٢ / ١٦٥، وهو ثقة.
الثاني - أن الخبر رواه أبو جعفر الطبري بأسانيد، هذا ورقم: ١٣٨٥٣، ١٣٨٥٤، وهي تدور على ((عمرو بن مرة)) .
الثالث - أنه سيتبين بعد مَنْ ((أبو جعفر)) الذي روى هذا الخبر، ومذكور هناك أنه روى عنه ((عمرو بن مرة)) ، ولم يذكر ((عبد الله بن مرة)) .
فمن أجل ذلك أرجح أن صوابه ((أبو عبد الله بن مرة)) ، أو ((أبو عبد الله عمرو بن مرة)) ، فسقط من النساخ.
وأما ((أبو جعفر)) الذي يدور عليه هذا الخبر، فهو موصوف في الخبر رقم ١٣٨٥٤: ((رجل يكنى أبا جعفر، كان يسكن المدائن)) ، ثم جاءت صفة أخرى في تخريج السيوطي لهذا الخبر في الدر المنثور، قال: ((رجل من بني هاشم، وليس هو محمد بن علي)) = يعني الباقر.
وقد وقفت أولا عند ((أبي جعفر)) هذا، وظننت أنه مجهول، لأني لم أجد له ذكرًا في شيء مما بين يدي من الكتب، ولكن لما جئت إلى الخبر رقم: ١٣٨٥٦ من رواية ((خالد بن أبي كريمة، عن عبد الله بن المسور)) ، تبين لي على وجه القطع، أن ((أبا جعفر)) هذا، الذي كان يسكن المدائن، وكان من بني هاشم، هو نفسه ((عبد الله بن المسور)) ، الذي روى عنه رقم: ١٣٨٥٦.
وإذن، فهو ((أبو جعفر)) : ((عبد الله بن المسور بن عون بن جعفر بن أبي طالب)) ((أبو جعفر الهاشمي المدائني)) . روى عنه عمرو بن مرة، وخالد بن أبي كريمة. مترجم في ابن أبي حاتم ٢ / ٢ / ١٦٩، وتاريخ بغداد ١٠: ١٧، وميزان الاعتدال للذهبي ٢: ٧٨، ولسان الميزان ٣: ٣٦٠. قال الخطيب. ((سكن المدائن، وحدث بها عن محمد بن الحنفية) ، وذكر في بعض ما ساقه من أسانيد أخباره: ((عن خالد بن أبي كريمة (وهو الآتي برقم: ١٣٨٥٦) ، عن أبي جعفر وهو عبد الله بن المسور، رجل من بني هاشم، كان يسكن المدائن)) .
و ((أبو جعفر)) ، ((عبد الله بن المسور)) ضعيف كذاب. قال جرير بن رقبة: ((كان أبو جعفر الهاشمي المدائني، يضع أحاديث كلام حق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاختلط بأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاحتمله الناس)) . وعن عبد الله بن أحمد بن حنبل: ((قال أبي: أبو جعفر المدائني، اسمه عبد الله بن مسور بن عون بن جعفر بن أبي طالب. قال أبي: اضرب على حديثه، كان يضع الحديث ويكذب، وقد تركت أنا حديثه. وكان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدثنا عنه)) . وقال ابن أبي حاتم: ((سألت أبي عن جعفر الهاشمي فقال: الهاشميون لا يعرفونه، وهو ضعيف الحديث، يحدث بمراسيل لا يوجد لها أصل في أحاديث الثقات)) .
وإذن، فالأخبار من رقم: ١٣٨٥٢ - ١٣٨٥٤، ورقم: ١٣٨٥٦ - أخبار معلولة ضعاف واهية، كما ترى.
وهذه الأخبار الثلاثة: ١٣٨٥٢ - ١٣٨٥٤، ذكرها ابن كثير في تفسيره ٣: ٣٩٤، ٣٩٥، وخرجها السيوطي في الدر المنثور ٣: ٤٤، ونسب الخبر لابن المبارك في الزهد، وعبد الرزاق، والفريابي، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في الأسماء والصفات.
وقال ابن كثير في تفسيره ٣: ٣٩٥، وذكر هذه الأخبار، وخبر مسعود الذي رواه أبو جعفر برقم: ١٣٨٥٥، ١٣٨٥٧، ثم قال: ((فهذه طرق لهذا الحديث مرسلة ومتصلة، يشد بعضها بعضًا، والله أعلم.
وأخطأ الحافظ جدًا كما ترى، فإن حديث أبي جعفر الهاشمي، أحاديث كذاب وضاع لا تشد شيئًا ولا تحله!! وكتبه محمود محمد شاكر.

<<  <  ج: ص:  >  >>