وروى الحسن البصري (لا تُرَى) بالتاء، وبأيّ القراءتين اللتين ذكرت من قراءة أهل المدينة والكوفة قرأ ذلك القارئ فمصيب وهو القراءة برفع المساكن إذا قُرئ قوله (يُرى) بالياء وضمها وبنصب المساكن إذا قرئ قوله: "ترى" بالتاء وفتحها، وأما التي حُكيت عن الحسن، فهي قبيحة في العربية وإن كانت جائزة، وإنما قبحت لأن العرب تذكِّر الأفعال التي قبل إلا وإن كانت الأسماء التي بعدها أسماء إناث، فتقول: ما قام إلا أختك، ما جاءني إلا جاريتك، ولا يكادون يقولون: ما جاءتني إلا جاريتك، وذلك أن المحذوف قبل إلا أحد، أو شيء واحد، وشيء يذكر فعلهما العرب، وإن عنى بهما المؤنث، فتقول: إن جاءك منهنّ أحد فأكرمه، ولا يقولون: إن جاءتك، وكان الفرّاء يجيزها على الاستكراه، ويذكر أن المفضل أنشده:
فأنث فعل مثل لأنه للنار، قال: وأجود الكلام أن تقول: ما رئي مثلها.
وقوله (كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) يقول تعالى ذكره: كما جزينا عادا بكفرهم بالله من العقاب في عاجل الدنيا، فأهلكناهم بعذابنا، كذلك نجزي القوم الكافرين بالله من خلقنا، إذ تمادوا في غيهم وطَغَوا على ربهم.
(١) البيت من شواهد الفراء في معاني القرآن (الورقة ٣٠١) استشهد به عند قوله تعالى: " فأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم " فقال إنها قرئت بالتاء أو بالياء مضمومة (مع بناء الفعل للمجهول) . ووصف القراءة بالتاء المضمومة بأن فيها قبحًا؛ قال: لأن العرب إذا جعلت فعل المؤنث قبل إلا ذكروه، فقالوا: لم يقم إلا جاريتك، وما قام إلا جاريتك، ولا يكادون يقولون: ما قامت إلا جاريتك، وذلك أن المتروك (المستثنى منه) أحد أو شيء، فأحد إذا كانت لمؤنث أو مذكر فعلها مذكر؛ ألا ترى أنك تقول: إن قام أحد منهن فاضربه، ولا تقول: إن قامت إلا مستكرها، وهو على ذلك جائز؛ قال: أنشدني المفضل: " ونارنا ... البيت ". فأنت فعل مؤنث، لأنه للنار؛ وأجود الكلام أن تقول: ما رؤى مثلها. قلت: وقوله " أكرما " نعت لنارا.