للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

خبرًا مبتدأ، وقد تناهى الخبر عن أمر آدم عند قوله:"كنْ". (١)

فتأويل الكلام إذًا:"إن مثَلَ عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن"، واعلم، يا محمد، أن ما قال له ربك"كن"، فهو كائن.

فلما كان في قوله:"كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن"، دلالةٌ على أن الكلام يرادُ به إعلام نبي الله صلى الله عليه وسلم وسائر خلقه أنه كائن ما كوّنه ابتداءً من غير أصل ولا أوّل ولا عُنصر، استغنى بدلالة الكلام على المعنى، وقيل:"فيكون"، فعطف بالمستقبل على الماضي على ذلك المعنى.

* * *

وقد قال بعض أهل العربية:"فيكون"، رفع على الابتداء، ومعناه: كن فكان، فكأنه قال: فإذا هو كائن.

* * *

القول في تأويل قوله: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (٦٠) }

قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: الذي أنبأتك به من خبر عيسى، وأنَّ مثله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له ربه"كن" = هو الحق من ربك، يقول: هو الخبر الذي هو من عند ربك ="فلا تكن من الممترين"، يعني: فلا تكن من الشاكين في أنّ ذلك كذلك، (٢) كما:-

٧١٦٧ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"الحق من ربك فلا تكن من الممترين"، يعني: فلا تكن في شكّ من عيسى أنه كمثل آدم، عبدُ الله ورسوله، وكلمةُ الله ورُوحه.


(١) انظر الفقرتين الآتيتين، ففيهما تفسير هذه الجملة السالفة. ولقد بين الطبري عنها بيانًا شافيًا قل أن تظفر بمثله في كتاب من كتب التفسير أو غيرها. والمذهب الذي ذهب إليه أبو جعفر في تفسيره، هو عندي أرجح من القول الآتي، وهو الذي اشتهر في كتب التفسير.
(٢) انظر تفسير"الامتراء"، وتفسير نظيرة هذه الآية فيما سلف ٣: ١٩٠، ١٩١.

<<  <  ج: ص:  >  >>