"إني منزلها عليكم"، ثم لا ينزلها، لأن ذلك منه تعالى ذكره خبر، ولا يكون منه خلاف ما يخبر. ولو جاز أن يقول:"إني منزلها عليكم"، ثم لا ينزلها عليهم، جاز أن يقول:"فمن يكفر بعد منكم فإنّي أعذبه عذابًا لا أعذبه أحدًا من العالمين"، ثم يكفر منهم بعد ذلك، فلا يعذّبه، فلا يكون لوعده ولا لوعيده حقيقة ولا صحة. وغير جائز أن يوصف ربنا تعالى ذكره بذلك.
* * *
وأما الصواب من القول فيما كان على المائدة، فأن يقال: كان عليها مأكول. وجائز أن يكون كان سمكًا وخبزًا، وجائزٌ أن يكون كانَ ثمرًا من ثمر الجنة، وغيرُ نافع العلم به، ولا ضارّ الجهل به، إذا أقرَّ تالي الآية بظاهر ما احتمله التنزيل.
* * *
القول في تأويل قوله: {قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنزلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (١١٥) }
قال أبو جعفر: وهذا جواب من الله تعالى ذكره القومَ فيما سألوا نبيّهم عيسى مسألةَ ربهم، من إنزاله مائدة عليهم. فقال تعالى ذكره: إني منزلها عليكم، أيها الحواريون، فمطعمكموها ="فمن يكفر بعد منكم"، يقول: فمن يجحد بعد إنزالها عليكم، وإطعاميكموها - منكم رسالتي إليه، وينكر نبوة نبيِّي عيسى صلى الله عليه وسلم، ويخالفْ طاعتي فيما أمرته ونهيته ="فإني أعذبه عذابًا لا أعذبه أحدا من العالمين"، من عالمي زمانه. ففعل القوم، فجحدوا وكفروا بعد ما أنزلت عليهم، فيما ذكر لنا، فعذبوا، فيما بلغنا، بأن مُسِخوا قردة وخنازير، كالذي:-
١٣٠٢٣ - حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله:"إني منزلها عليكم" الآية، ذكر لنا أنهم حوِّلوا خنازير.