للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

منه، وإظهاري إياه وتوريثه وقومه دورهم وأرضهم وأموالهم، على أني سالك فيك سبيله، إن أنت صبرت صبره، وقمت من تبليغ الرسالة إلى من أرسلتك إليه قيامه، ومظهرك على مكذّبيك، ومعليك عليهم. (وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) يقول: وما كان أكثر قومك يا محمد مؤمنين بما أتاك الله من الحقّ المبين، فسابق في علمي أنهم لا يؤمنون.

(وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ) في انتقامه ممن كفر به وكذّب رسله من أعدائه، (الرَّحِيمُ) بمن أنجى من رسله، وأتباعهم من الغرق والعذاب الذي عذب به الكفرة.

القول في تأويل قوله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (٦٩) إِذْ قَالَ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (٧٠) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (٧١) }

يقول تعالى ذكره: واقصص على قومك من المشركين يا محمد خبر إبراهيم حين قال لأبيه وقومه: أيّ شيء تعبدون؟ (قالوا لَهُ نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ) يقول: فنظلّ لها خدما مقيمين على عبادتها وخدمتها.

وقد بيَّنا معنى العكوف بشواهده فيما مضى قبل، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.

وكان ابن عباس فيما روي عنه يقول في معنى ذلك ما حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جُرَيج، قال: قال ابن عباس، قوله: (قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ) قال: الصلاة لأصنامهم.

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (٧٢) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (٧٣) قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءَنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (٧٤) }

يقول تعالى ذكره: قال إبراهيم لهم: هل تسمع دعاءكم هؤلاء الآلهة إذ تدعونهم؟ واختلف أهل العربية في معنى ذلك: فقال بعض نحويي البصرة معناه: هل يسمعون منكم أو هل يسمعون دعاءكم. فحذف الدعاء، كما قال زُهَير:

القائِدُ الخَيْلَ مَنْكُوبًا دَوَابِرُها ... قدْ أُحْكِمَتْ حَكماتِ القِدّ والأبَقا (١)


(١) البيت لزهير بن أبي سلمى المزني، من قصيدة يمدح بها هرم بن سنان (مختار الشعر الجاهلي، بشرح مصطفى السقا، طبعة الحلبي ٢٤٨) قال شارحه: الدوابر: الحوافر، أي تأكلها الأرض وتؤثر فيها. (وفي اللسان: دبر) : دابرة الحافر مؤخرة، وقيل: هي التي تلي مؤخر الرسغ. وجمعها: دوابر. (وأحكمت) : جعل لها حكمات. والحكمة: التي تكون على الأنف من الرسن. والقد: ما قطع من الجلد. والأبق: شبه الكتان، وقيل: هو القنب. اهـ. وفي (اللسان: حكم) : والحكمة: حديدة في اللجام تكون على أنف الفرس وحنكه تمنعه عن مخالفة راكبه وحكم الفرس حكمًا (بفتح الحاء) ، وأحكمه بالحكمة: جعل للجامه حكمة، وكانت العرب تتخذها من القد والأبق، لأن قصدهم الشجاعة، لا الزينة؛ قال زهير: "القائد الخيل.." البيت. يريد قد أحكمت بحكمات القد، وبحكمات الأبق. فحذف الحكمات، وأقام الأبق مكانها. ويروي: "محكومة حكمات القد والأبقا" على اللغتين جميعًا. قال أبو الحسن: عُدِّي: "قد أحكمت" لأن فيه معنى قلدت، وقلدت متعدية إلى مفعولين، الأزهري: وفرس محكومة في رأسها حكمة، وأنشد * محكوكة حكمات القد والأبق *
ابن شميل: الحكمة: خلقة تكون في فم الفرس.

<<  <  ج: ص:  >  >>