يقول تعالى ذكره: حتى إذا جاء أحدَ هؤلاء المشركين الموتُ، وعاين نزول أمر الله به، قال:- لعظيم ما يعاين مما يَقْدم عليه من عذاب الله تندّما على ما فات، وتلهُّفا على ما فرط فيه قبل ذلك، من طاعة الله ومسألته للإقالة-: (رَبِّ ارْجِعُونِ) إلى الدنيا فردّوني إليها، (لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا) يقول: كي أعمل صالحا فيما تركت قبل اليوم من العمل فضيعته، وفرّطت فيه.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
*ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي معشر، قال: كان محمد بن كعب القرظي يقرأ علينا: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ) قال محمد: إلى أيّ شيء يريد؟ إلى أيّ شيء يرغب؟ أجمع المال، أو غَرْس الغِراس، أو بَنْي بُنيان، أو شق أنهار؟ :(لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ) يقول الجبار: كلا.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: (رَبِّ ارْجِعُونِ) قال: هذه في الحياة الدنيا، ألا تراه يقول:(حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ) قال: حين تنقطع الدنيا، ويعاين الآخرة، قبل أن يذوق الموت.
حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن ابن جريج، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: "إذَا عايَنَ المُؤْمِنُ المَلائِكَةَ قالُوا: نُرْجِعُكَ إلى الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: إلى دار الهُمُومِ والأحْزَان؟ فَيَقُولُ: بَلْ قَدّمَانِي إلى الله، وأمَّا الكافِرُ فَيُقال: نُرْجِعُكَ؟ فَيَقُولُ:(لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ) ... " الآية.